متعاطف مع أصحاب البسطات!
رغم أنني كبقية عباد الله الذين يستخدمون الأرصفة للمشي في شوارع عمان «أنزعج» قليلا من «اعتداء» بعض أصحاب البسطات، إلا أنني لا استطيع إلا أن أشعر بالتعاطف معهم إلى أبعد حد، لعدة أسباب، أقلها أنهم يذكّرونني وكثيرين غيري بأشياء أحتاجها ولا أتذكرها إلا حينما أراها معروضة على البسطة، وأكثرها أنهم لم يكونوا ليضعوا أنفسهم في تلك الأماكن لجمع أرزاقهم إلا لحاجة ماسة جدا، فهؤلاء الناس يجمعون ثمن أرغفة الخبز من تلك «البسطات» المتواضعة التي تشكل مصدر رزقهم الوحيد، بعد أن سُدَّت في وجوههم سبل العيش الكريم، فلا وظائف ولا فرص عمل ولا مصدر رزق إلا هذه الوسيلة «غير الحضارية» في تحصيل الدخل!!
أشعر بتعاطف خاص مع كل صاحب بسطة، رغم ضيقي وضيق غيري مما يقال عن اعتداء هؤلاء على الأرصفة المخصصة للمشاة، ولكنني حينما أقيس هذا الضيق بما يعانيه قطاع واسع من أبناء هذا الوطن من بطالة وضيق ذات اليد، بهذا «الاعتداء» على الأرصفة، أفضل نفسيا وضميريا أن أحتمل هذا الاعتداء مقابل توفير فرص عمل تطعم الأفواه الجوعى، التي قصَّرت معهم حكوماتهم بتأمين سبل العيش الكريم، فحلّوا مشكلتهم على طريقتهم، التي لا تعجب رجال الأمانة، ومفتشوها، الذين أشعر أنهم يتعاملون بخشونة وبلا رحمة حينما لا يتورَّعون عن قلب بسطة بسيطة لرب أسرة وبعثرة محتوياتها على الأرض، رغم أنه على الأغلب استدان «رأس ماله» كي يجمع قروشا قليلة لسد الأفواه الجوعى في البيت!
بين حين وآخر تُعلن أمانة عمان وبقية رجال البلديات «التعبئة» العامة لشن حملة تلو أخرى ضد البسطات، وبصدق، أسمع عن تلك الحملات منذ سنوات طويلة، ورغم هذا «تفشل» تلك الحملات في القضاء على هذه الظاهرة، وفي ظني أن هذا الفشل يعود لسببين اثنين -والله أعلم- الأول أن تلك الحملات تأتي ضد الطبيعة وتضاد مصلحة شعبية متبادلة بين أصحاب البسطات والزبائن، لذا يجد الجميع طريقة لعودتها رغم محاولات اقتلاعها من جذورها، أما السبب الثاني فيبدو أن له علاقة بدخول «متنفذين» على خط «استثمار» الأرصفة، وتدخلهم لحماية من يعمل معهم في هذه المهنة، وبالتالي التغلب على حملات المقاومة الرسمية لها، والغريب أن مثل تلك الحملات لا يستعر أوارها وتشتد إلا حينما يفكر مسؤول ما بزيارة منطقة معينة شهير بسطوة البسطات، كأن الهدف إزالة «التلوث البصري» من أمام المسؤول، ولو مؤقتا، لا مقاومة الظاهرة تحديدا .وقد شهدت مثالا حيا على مثل هذه الحملات .
المشهد -كما قالت الصحافة في حينه- كان مثيرا لكثير من المشاعر، فقد ترافقت الحملة التي وصفها الأهالي بالشرسة على البسطات.
بالتزامن مع استنفار الأمانة لكافة كوادرها لإكمال عملية تزفيت وإصلاح الطرق الرئيسة المؤدية إلى المنطقة، ورغم أن تلك الإجراءات، الاستثنائية وغير المعهودة في زيارات المسؤولين الكبار للمناطق والمحافظات، كانت مطلبا للأهالي إلا أن دواعي استجابة أمانة عمان وتوقيتها أثارت استياء الأهالي، الذين بُحت أصواتهم لسنوات خلت، وهم يطالبون بإصلاح الشوارع وتزفيتها!
قبل أن نطالب بوقف التعدي على الأرصفة، علينا أن نوقف التعدي على أرزاق الناس، أو توفير مصدر للعيش الكريم لهم!