وَجْهَا المناظرات الانتخابية
المناظرات الانتخابية اختراع تلفزيوني بامتياز، فقبل هذا الاختراع لم يكن متاحاً لملايين الناس ان يشاهدوا في اللحظة ذاتها مناظرة بين مرشحين، والمناظرات -ككل الظواهر الأخرى في حياتنا- لها وجهان، وجه إيجابي يتجلَّى في طرح خطابين على الملأ، وهنا تتدخل عوامل عديدة لجعل احدها اكثر تأثيرا على الرأي العام، منها ما هو نفسي و فسيولوجي وهذا هو بيت القصيد، فقد يكون المرشح في أية انتخابات محظوظاً بوسامته، وطليق اللسان ولديه قدرات استثنائية على التلاعب بالكلمات، وكل تلك العوامل ليست ذات صلة جوهرية بمفردات الخطاب السياسي ومضمونه، والمظلوم في هذه المباراة بذخيرة الكلام الحية هو الاقل حظاً، سواء من حيث الشكل والصفات العضوية، أو لكون شخصيته بالتكوين أقرب الى الهدوء والتأمل، والمناصب التي يجرى التنافس عليها بالمناظرات المتلفزة لها حيثيات وشروط أخرى يصعُب أن تتضح في السجال فقد، يتفوق مرشح ذرب اللسان وذو باع طويل باستخدام ما يسمىَّ لغة الجسد على منافسه لساعة أو ساعتين، لكن هذا ليس كل شيء، وهناك مثل شعبي يقول إن الماء يكذِّب الغطَّاس، أو بمعنى أدق من يزعم أنه كذلك، فالأزمات خصوصاً حين تكون مزمنة ومعقدة لا تنفرج بالبلاغة الخطابية، وقد يكون العكس، بحيث تقدم البلاغة قناعاً أو غطاء لما هو قبيح، وقد يرى البعض ان المقصود بهذه المباريات الانتخابية هو طرح البرامج، لكن هذا ايضا ليس مقياساً يمكن الاحتكام اليه، فقد يَعد أحد المتنافسين الناس بجنة عدن وأنه سيكون كمدينة بيلارس الاسطورية يشفي المرضى ويحقق الوصال للمحرومين، ويملأ الدنيا عدلاً، ثم يقدم الواقع عكس كل تلك التوقعات، وأقرب مثال الينا الرئيس أوباما صاحب شعار التغيير الذي اجتذب الملايين في أمريكا وخارجها والذي أضاف الى شعاره عبارة «أنا استطيع»، فكانت وعوده خلال المناظرات والحملة الانتخابية مثاراً للعجب والتصفيق بدءاً من اغلاق العورة السياسية الأمريكية المسماة جوانتينامو حتى اعلان الدولة الفلسطينية العام 2011 وليس انتهاء بنشر السلام على هذا الكوكب.
وسرعان ما تغيَّر اسم الرئيس من أوباما أو «أبو عمامة» الى «عروقب» وعاد ناخبوه الى منازلهم بأخفاف حنين وليس بخفين فقط!!
خطورة المناظرات المتلفزة هي ارتهانها لقدرات قد لا يكون لها صلة بفقه الحكم والقدرة على إدارة الأزمات أو تداركها قبل وقوعها، لهذا فهي ليست كافية للحكم على التفوق السياسي والإداري لدى طرف على طرف آخر، لكنها أحياناً شرّ لا بد منه، تماماً كما وصف شيشرون الروماني الزواج، وكما وصف ونستون تشرتشل الديمقراطية!.