0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

جهروا بالسوء..وفجروا في الخصومة..!!

أريد أن أذكّر – مرّة اخرى – بضرورة الانتصار لأخلاقيات العمل السياسي النظيف والالتزام بآداب الخصومة السياسية،وبقيم الصدق والنزاهة والشرف التي يجب أن يتحلى بها السياسي، مهما كان موقعه أو اتجاهه، ولا أخفي أنني أشعر بالصدمة حين أتابع بعض السجالات التي تشهدها بلادنا، وأقول في نفسي: لماذا انحدر خطابنا العام الى هذا المستوى، ولماذا تحولت  لغتنا  السياسية الى مفردات موحشة خالية من  اللطف  واللباقة والأدب؟ استطيع أن اقدِّر بالطبع ما تستدعيه  الخصومة  السياسية من استثمار لأخطاء هذا الطرف أو ذاك، واستطيع أن افهم ما تستلزمه الصراعات السياسية بين النخب من  توظيف  لبعض المواقف، لكن ما الذي يدفع هؤلاء الى الابتذال في الخطاب، والى  الضرب  تحت الحزام، والى الامعان في تشويه الخصوم واغتيالهم سياسياً؟

المشكلة ليست فقط في الانحدار الذي أصاب نقاشاتنا العامة ، وانما المشكلة ايضاً في تراجع قيمنا وأخلاقياتنا العامة، لا يتعلق هذا بالنخب التي اختطفت قضايا الناس واستهبلتهم وتعاملت معهم بمنطق الاستعلاء، وانما بآخرين من طبقات المجتمع المختلفة انتقلت اليهم هذه “العدوى” لدرجة ان بعضهم أصبح مؤمناً بفكرة “الشطارة” بكل ما تحمله من انتهازية ونفعية وانفصام في الشخصية.

اذن  هي  اولا جناية النخب التي استقالت تماما من القيم والاخلاق ، وتحول بعض المحسوبين عليها الى “قطاع طرق” تحركهم غرائزهم الانتهازية ، صحيح أن ثمة من روج علنا  للفصل بين السياسة والأخلاق، وبين الدين والأخلاق ايضاً، لكن لم يخطر في بال – حتى هؤلاء – أن المشكلة ستتحول من مجرد  طلاق  بالمعروف الى  زواج  مغشوش، ذلك انه إذا قدِّر لنا أن نفهم مبررات هذا الطلاق في سياقات اجتماعية وسياسية ونختلف على مشروعيته ، فإنه من غير الممكن أن نفهم مسوغات ذلك  الزواج  الذي يبدو ظاهرياً فيما تنحدر ممارسات طرفية الى اسوأ ما يمكن من مشاجرات ومناكفات.وبصراحة اكثر ،فانني اتحدث هنا عن سياسيين “صدّعوا “ رؤوسنا بدعواتهم الاخلاقية ومواقفهم الملتزمة ،وبعضهم يتحرك في اطار العمل الاسلامي او الوطني (كم من الخطايا ترتكب تحت هذين العنوانين؟)، لكنهم للاسف في غفلة منا كشفوا عن وجوههم فاذا بخطابهم اسوأ مما توقعنا ، لا اتحدث هنا عن مواجهاتهم مع خصومهم التقليديين ،وانما عن مواجهاتهم مع اخوانهم الذي تشاركوا معهم في بناء المشروع ، وعاشروهم على مدى سنوات طويلة ظنا منهم ان  دائرة الاخوة التي تجمعهم اقوى واوسع من اي اختلاف ،وان الجهر بالسوء -من اي طرف صدر- يتعارض مع الاخلاقيات التي التزموها فيما بينهم وامام الناس ايضا.

لا يمكن فهم هذه الاشتباكات التي تحتدم داخل الشخصية الاجتماعية  التي تطفو على سطح”النخب” وتتغلغل بالتالي داخل المجتمع على شكل عدوى من دون الالتفات الى مسألتين: احداهما انماط التدين المغشوش (سواء أكان تدينا سياسيا او اجتماعيا )التي يستخدمها البعض لاصطياد ضحاياهم والتغرير بجمهورهم  ، حيث لم يعد مدهشا ان يتستر البعض بأشكال وانواع ومظاهر دينية للتغطية على سلوكيات مرفوضة يمارسها ، واحسب ان “زواج (السياسة مع التدين المغشوش مع البزنس )يمكن ان يقدم لنا نماذج عديدة من هذا القبيل.والمسألة الثانية تتعلق بما نطالعه من مشاهد الوطنية المشوهة التي تختفي  وراءها سلوكيات سياسية  لا تتناقض مع المبادئ والمصالح الوطنية فقط ، وانما تحاول – جادة – ان تهدمها تحت ذرائع مختلفة وربما متناقضة احيانا.

ان كلا المسألتين  في الحقيقة تعبر عن عُقد من النقص ، او من الرغبة في الانتقام لكن ما يجمع المشهدين هو غياب الاخلاق ، سواء كانت دينية او وطنية او سياسية ، وهيمنة عقلية التحايل والشطارة والصراع على المواقع والمناصب والغنائم على السلوكيات التي يفترض ان تحكمها مسطرة المسؤولية الاخلاقية.. قبل ان تخضع لمسطرة القوانين والانظمة  الرادعة؟

المشكلة هنا ليست في عدم وجود تشريعات او انظمة رادعة ، تضبط الاخلاقيات العامة وتمنع الفجور في الخصومة ، وانما المشكلة الحقيقية تكمن في غياب قواعد واعراف سلوكية واخلاقية تحكم العاملين في مجال  العمل العام ، والاهم من ذلك عدم توفر مناخات من الحرية والشفافية التي يفترض ان تشكل كاميرات على مدار الساعة لمراقبة الموقع العام ، ومتابعة من يتبوأه ، باعتبار ذلك حقا للناس.. لا تدخلا في الشأن الخاص ، ولا اختراقا للخصوصيات والامور الشخصية. ولو حضرت هذه الكاميرات لكان بوسعنا ان نرى صورة الجميع من المصدر بوضوح ، ونعرف ما يلزم من معلومات عنهم  دون الحاجة الى الدخول في سجالات التجريح والفجور ودون الاعتماد على العمل اللاخلاقي في انتزاع الانتصار من اي طرف كان .

بصراحة، منذ  شهور ، تابعت فصولا صادمة من الاشتباكات والصراعات بين اشخاص اعرفهم واقدرهم ، انتصرت فيها للاسف نوازع الكيد والمكر على قيم النظافة والصدقية واخلاقيات العمل العام ، لم اتصور ان الاختلاف يمكن ان يتحول الى حرب تستخدم فيها كل الاسلحة ،ويا ليت انها حرب نظيفة تراعى فيها اخلاقيات الحروب التي ضمنتها الاديان (دعك من المواثيق الدولية)،وانما للاسف حرب اخرى (قذرة) لا يتردد اطرافها عن تجريح الاخر وانتهاك كرامته وربما ذبحه اذا لزم الامر ..وتلك بالطبع صورة من صور الفجور في الخصومة التي  تثير الاسف والاشمئزاز والغضب ايضا – يا خسارة..!