عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

نحن نحاصر الدين واليابانيون يبحثون عنه ..!!

لا يوجد ما يسر في عالمنا العربي حتى ننشغل بالكتابة فيه،ولذا استـأذن القارئ الكريم بالخروج من هذه (المقبرة)  ان لم يكن احتراما لعقولنا فمن اجل الحفاظ على ما تبقى لدينا من كرامة وما نحتاجه من هدوء يطمئننا على انسانيتا وعافيتنا النفسية ايضا.

ما رأيكم اذن ان نزور اليابان، ولو على الورق؟ ما نعرفه عن هذه الدولة لا يتعدى الانبهار بما قدمته من نموذج حضاري في العمل والتقدم التكنولوجي خاصة بعد ان تعرضت في الحرب العالمية الثانية للتدمير النووي، لكن ثمة وجها اخر لليابان قدمه لي امس احد اخواننا الذين جاءوا من هناك برفقة عدد من طلابهم لتعلم اللغة العربية( اسمه البرفسور اتسوشي اوكودا) ،قصة صاحبنا بدأت في منتصف الثمانينيات حين استمع لمحاضرة عن الاسلام فاعجبته الصورة التي قدمها المحاضر عن هذا الدين، كان آنذاك يستعد  لتقديم رسالته في الماجستير عن القانون الروماني ،واثناء البحث وجد ان كثيرا مما تضمنه القانون الروماني مستمد من الشريعة الاسلامية، كان الامر بالنسبة له لافتا فتعمق اكثر في قراءة (فقه الاصول) وذهب الى ترجمة كتاب الموافقات للامام الشاطبي ، حتى ذلك الوقت لم يكن  قرر بعد الدخول الى الاسلام حتى قادته خطاه الى حلب في سوريا وهناك التقى مع احد علمائها فتتلمذ على يدية في علم التوحيد ،يقول لي : هنا بدأت افكر بأن اسلم ،فقد رأيت في استاذي صورة حقيقة للاسلام ،كان يتصرف تماما كما يقول القرآن الكريم وخاصة فيما يتعلق بمساعدة الاخرين والرحمة بهم ، اعجبتني فكرة الرحمة هذه وكذلك فكرة العدل، صحيح ان لدينا في اليابان قيما جيدة لكنها ناقصة وقد وجدت في الاسلام ما يضيف  اليها ، تصور لايوجد لدينا لا في اللغة ولا في الثقافة ما يشير الى فكرة الله او الدين،خذ مثلا كلمة الدين التي يقابلها في اليابانية كلمة (شيوكيو) وتعني  توضيح الغاية،  وكذلك كلمة (الله) ،تقابلها كلمة (كامي) وتعني باليابانية الاشراف او اهل البيت الامبراطوري ،زد على ذلك ان كلمة النبوة تنصرف لدى اليابانيين الى قصة امرأة  بشرت بدين اسمه (تينري) وبالتالي فانهم ينفرون من هذه الكلمة ، يضيف الرجل : كل هذا الارث الثقيل راودني وانا اقدم رجلا واسحب اخرى للدخول في الاسلام وكذلك غيري من اليابانيين لكن الاهم من ذلك هو عائق القطيعة مع المسلمين وعامل  اللغة الذي لا يمكن لاي ياباني ان يتجاوزه اذا فكر بالاسلام ، فلا يمكن ان تكون مسلما اذا لم تتعلم العربية ،الامر لا يتعلق بالحروف والترجمة وانما باسرار هذه اللغة التي تفتح امامك الابواب للايمان ومعرفة الله ايضا .

يضيف الرجل قائلا: لايوجد في اليابان مسلمون كثر(يبلغ عددهم في غياب الاحصائيات الرسمية نحو مئة الف من مجموع  سكان اليابان- 132 مليون  )، لكن التربة اليابانية صالحة تماما لاستقبال هذا الدين ،المسألة لا تتعلق بادخال اليابانيين في الاسلام ولكن مهمتنا هي تعريفهم بهذا الدين خاصة ان اليابان كحضارة يفترض ان تكون منفتحة على قيم  العالم واهمها قيم الدين الخاتم ،وهي ايضا تحتاج الى هذه القيم لكي تكسر حالة التوحش التي تعاني منها ولكي تتحرر من سطوة الالة التي حولت  اليابانيين الى اصنام .

كنت احدق في الرجل واستمع اليه وهو يتكلم العربية وانا اشعر بالخجل منه : ما الذي يدفعه الى تحمل اعباء الرحلة الطويلة وعلى حسابه الخاص من اجل ان يعلم طلابه اللغة العربية ليفهموا الاسلام؟  مالذي يجعله يصارح مجتمعه بان ما يسمعونه عن الاسلام في الاخبار ليس صحيحا بالضرورة ،ومع انه حزين لرؤية هذه الصورة ،الا ان الاسلام الذي يعرفه ويقتنع به ويضحي من اجله بوقته وجهده مختلف تماما ؟ فيما نحن لا نفعل ذلك ولا نكلف انفسنا مجرد التعريف بهذا الدين العظيم؟ هل الخجل وحده يكفي، ربما احس الرجل بذلك فبادر على الفور الى تذكيري بان مشكلتنا في عالمنا العربي والاسلامي هو غياب (حوكمة المجتمعات ) هذه لها قصة طويلة معه سواء في مجال البحث او الرؤية ،وايضا الاستغراق في السياسة ؟ سألته : ما الذي يميز الاسلام في اليابان ،قال لي : لا يوجد لدينا سنة او شيعة ولا حنفية او شافعية ولا اشتباكات بين  فرق والاحزاب والتيارات  ،نحن نقرأ القرآن والسنة الصحيحة ونتعرف على الاسلام من خلالهما ،وما سوى ذلك لا يهمنا ، نحن نريد الاسلام الذي يعرفنا بالله ويخرجنا من التيه ويرشدنا الى الخير والصواب ، اما  السياسة فلا تشغلنا ، انتم تخطئون حين تحشرون الاسلام في السلطة والحكم ، هذه اخر ثمرات الاسلام ، لكن الاهم من الثمرة هو الحفاظ على الشجرة وابقائها خضراء دائما . قلت في نفسي :اليابنيون يبحثون عن دين ويحرصون على حمايته ونحن للاسف نحاول ان نطرده وحين نفشل لا نتردد في تشويهه وتخويف الناس منه.

لم تنته القصة بالطبع ، لا مع الصديق اتسوشي ولا مع  طلابه واخوانه الذين ينتظروه في طوكيو لمعرفة المزيد عن الاسلام ،هذا الذي يشتاقون اليه لانهم يشعرون بحاجتهم اليه، لا من اجل انعاش ارواحهم فقط ،وانما لانقاذ حضارتهم ايضا ..الى اللقاء.