عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

مرة أخرى عن «الجريمة … والعقاب»

الحكومة ليست بوارد طرد السفير وإغلاق السفارة، ومن باب أولى ليست في وارد إلغاء معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية… أولاً- لأن القرار ليس بيدها في هذا الشأن، وثانياً- لأن خطوة كهذه، تعد “انقلاباً” في السياسة الخارجية الأردنية، وضرباً في الصميم، لواحد من أعمدتها، فالأردن استثمر طويلاً في دوره المؤيد والمُيسر والداعم بقوة لمسار التفاوض وعملية السلام وحل الدولتين، وأخيراً مهمة كيري، وليس من المتوقع أبداً أن تقدم الحكومة على اتخاذ خطوات من شأنها تبديد هذه الصورة، وتوجيه رسائل غير مرغوب فيها، لكل الأطراف ذات الصلة.

لكن في المقابل، هناك أصوات قوية، خصوصاً في الشارع الأردني، تدفع بهذا الاتجاه وترفع هذه المطالب والشعارات، وقد تردد صداها تحت قبة البرلمان، وسمعنا أصواتاً نيابية قوية تتماهى مع حراك الشارع ومواقف المعارضة، لكن تجربة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في السنوات العشرين الأخيرة، تدفعنا للتريث في إطلاق التكهنات أوالمبالغة في تقدير ردات الفعل المحتملة … وثمة من يعتقد، ومن بينهم كاتب هذه السطور، أن الجريمة الإسرائيلية النكراء على “جسر العودة”، كانت سبباً مباشراً في إشعال وتحريك كثير من عوامل الغضب والاحتجاج الكامنة في الأوساط السياسية والشعبية، ولأسباب تبدأ بالاقتصاد وتمر بتعثر مسار الإصلاح السياسي، ولا تنتهي بالموقف من العدوان الإسرائيلي على كرامة الأردن والأردنيين.

فجوة المواقف بين الحكومة والشارع تبدو واسعة، ومن المرجح أن يستمر السجال المحلي حول الموقف من “السلام” و”التطبيع” ومستقبل العلاقات مع إسرائيل، لكنه سجال سينتهي عادة إلى ما انتهت إليه سجالات سابقة، في ظل غياب “وحدة الموقف” عند قوى المعارضة المختلفة من جهة، وبسبب رفع سقف المطالب والشعارات بصورة تجعل من الصعب على صناع القرار، وليس الحكومة وحدها، الأخذ بها والتساوق معها، ما لم تتم المقامرة بكل “السياق” الذي انتهجته السياسة الخارجية الأردنية من انطلاق عملية السلام وحتى يومنا هذا.

ولكيلا تذهب دماء الشهيد زعيتر، ومعها كرامة الأردن والأردنيين هباءً، فقد كان من المنطقي أن تبلور قوى المعارضة الشعبية والنيابية، سلة مطالب، يمكن حملها والأخذ بها، من دون أن يمنعها ذلك من استمرار الحديث بالشعارات الكبرى والبعيدة؛ من نوع إلغاء المعاهدة وإغلاق السفارة وطرد السفير … مطالب كان بالإمكان تركيز الجدل حولها، وربط الثقة بالحكومة بالأخذ بها والعمل عليها، ولا بأس من جداول زمنية محددة، حتى لا يُترك الحبل على الغارب.

وأحسب أن ثلاث مطالبات، كان يمكن أن تكون أساساً واقعياً لموقف تلتقي حوله مختلف القوى، وبمقدورها إنجازه، أو تحشيد رأي عام أوسع من حوله … المطلب الأول، ويتمثل في تقديم الاعتذار الرسمي للأردن حكومة وشعباً وأسرة الشهيد، لا الاكتفاء بعبارات أسف ملتبسة، تماماً مثلما فعلنا، وعلى أرفع مستوى، بعد حادثة الباقورة … المطلب الثاني، التعويض العادل لأسرة الشهيد أسوة بما فعلت إسرائيل لأسر ضحايا مرمرة … المطلب الثالث، إحالة القتلة إلى القضاء وضمان تلقيهم القصاص العادل على فعلتهم النكراء، وهو أمر فعلناه قبل سبعة عشر عاما وما زلنا.

هنا، يُفتح الباب رحباً لإعادة بحث قضية الجندي الدقامسة، الذي أنهى أو شارف على إنهاء محكوميته … وأتحدى في تاريخ إسرائيل، أن يكون إسرائيلياً واحداً قد قضى في السجون نصف أو ربع المدة التي قضاها الدقامسة، حتى بالنسبة لأولئك الذين قارفوا مجازر وجرائم قتل جماعية، تندرج في خانة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية … لقد آن أوان إغلاق هذا الملف، أقله، لتهدئة الخواطر واحتواء الغضب العام.

نعرف أن للتشدد الحكومي في موضوع الدقامسة، أسبابا عدة أهمها اثنان: الحرص على مسار السلام والتطبيع مع إسرائيل من جهة، وردع من تسوّل له نفسه “الاقتداء” بما فعله الدقامسة من جهة ثانية … لكن الحكومة لن تكون مُلامة إسرائيلياً ودولياً في مناخات جريمة الجسر وسقوط الشهيد زعيتر إنْ هي قررت الإفراج عن الدقامسة، كما أن الرجل قضى واحدة من أطول فترات المحكومية التي عرفتها السجون الأردنية، وهذا بحد ذاته، يكفي لإيصال رسالة “الردع” إلى من يهمهم الأمر.

خلاصة الأمر، أن الاتفاق على سلة مطالب يمكن الأخذ بها، ومبادرة الحكومة إلى رفع منسوب الجرأة في معالجتها للجريمة وتداعياتها، من شأنه أن يوجه صفعة لإسرائيل، وأن نكون امام سابقة رادعة في العلاقات القائمة على ضفتي النهر، بدل أن تتحول الجريمة الإسرائيلية إلى سبب لمزيد من الانقسامات والاستقطابات، ومصدر لتوترات وتأزمات داخلية.