حـريـة مـقـيـدة بالكلبشـات ..!!
من بين صور التعذيب التي يتعرض لها السجناء والموقوفون في السجون المصرية استوقفتني صورة لفتاة (اسمها دهب) استيقظت من الغيبوبة لتجد نفسها ممددة على سرير الولادة، ومقيدة بالكلبشات، وإلى جوارها ترقد وليدتها، التى سمتها (حرية) .
قصة الفتاة – كما نشرتها صحيفة الشروق على لسان زوجها – تعود إلى الرابع عشر من يناير الماضي، عندما خرجت من منزلها فى طريقها إلى طبيب النساء الذي تتابع معه حالتها ،إذْ كانت حاملا فى بداية شهرها التاسع، وكانت هناك وقفة احتجاجية لأنصار الرئيس المعزول، بشارع الساحل فى أول أيام الاستفتاء على دستور 2014، فوجئت بعدها بقوات الأمن تهاجم الوقفة وتقوم بفضها.
همّ جميع المارة فى الشارع بالفرار، والبحث عن ملاذ آمن من الاشتباكات، إلا أن “دهب” لم تتمكن من الجري نظرا لطبيعة حالتها الصحية، فقام أفراد الأمن بالقبض عليها. وتم اقتيادها إلى قسم شرطة الساحل، لتحتجز فى ظروف لا تتناسب مع حالة حامل فى شهرها التاسع، وبعد يومين من بقائها فى قسم الشرطة تم تحرير محضر لها بتهمة التظاهر من دون تصريح، وتم عرضها على النيابة التى أصدرت قرارا بحبسها 15 يوما على ذمة التحقيق، متابعا: لتجدد لها النيابة الحبس 15 يوما ثلاث مرات كان آخرها يوم الخميس الماضى 13 فبراير .
وخلال وجود دهب بالحجز داهمتها آلام الولادة، ليتم نقلها إلى المستشفى ونظرا لصعوبة الحالة وتردي وضعها الصحي قرر الأطباء، أن تكون الولادة قيصرية وحقنها الأطباء بـ “البنج” ، لتخرج من عمليتها مقيدة بسريرها وممنوعة من احتضان وليدتها حريّة .
صورة الفتاة المقيدة والمحرومة من احتضان وليدتها تبدو جزءا صغيرا من مشهد “ الاعتقالات” وممارسات التعذيب التي يتعرض لها النشطاء المعارضون للانقلاب، أو الآخرون الذين تم القبض عليهم (بالصدفة) بذريعة التظاهر دون ترخيص، وبعض هؤلاء لا علاقة له بـ”الإخوان” ولا بمعارضة الانقلاب، وإنما شاءت ظروفهم ان يكونوا موجودين في الأمكنة التي تشهد مظاهرات أو اعتصامات.
لا تسأل بالطبع عن قصص الاعتقالات، فيكفي أن تقرأ ما حدث لإحدى الطبيبات (كما رصدها بيان لنقابة الأطباء المصريين وعلق عليه الكاتب فهمي هويدي ) الطبيبة (اسمها مرفت مصطفى) ذهبت إلى عملها فى المستشفى بعدما أضافت إلى ثيابها دبوسا يحمل شارة رابعة، وفاء لذكرى زميل لها توفاه الله،، وهو ما لفت انتباه مدير العيادات الخارجية الذى سارع إلى نقل الخبر إلى مدير المستشفى الذى انتفض بدوره وأمر باستدعائها إلى مكتبه. عاتبها الرجل فى البداية وسألها عن السبب فى اقتنائها الدبوس فروت له القصة، لكنه نهرها وطلب منها ان تخلعه. لكنها رفضت قائلة، إن ذلك أمر يتعلق بزيها ومظهرها ولا دخل له بهما. إلا أنه أصر على موقفه وتوعدها قائلا، إنه يعرف كيف يجبرها على خلع الدبوس.
وبعدما خرجت الطبيبة من مكتبه قاصدة معمل الأشعة الذى تمارس فيه اختصاصها، أوعز مدير المستشفى ومدير العيادات الخارجية إلى أحد العاملين بقسم الأشعة لكى يكتب شكوى كيدية ضد الطبيبة، يتهمها فيها باستفزاز المواطنين جراء ارتداء الدبوس، وبالخشية من تسببه فى اتلاف الأجهزة. بعد ذلك قام مدير المستشفى بإبلاع الشرطة بالحالة، مدعيا قيام الطبيبة بالتجمهر فى مكان العمل، إزاء ذلك قدم إلى المستشفى على الفور ضابط شرطة مصحوبا ببعض الجنود، دلهم المدير على قسم الأشعة، فقام الضابط باقتحام غرفة الطبيبة أثناء قيامها بالكشف على إحدى المريضات، وأبلغها بالقبض عليها. ثم قام الرجل بجرها على الأرض من غرفة الكشف حتى سيارة الشرطة، وقام الجنود بحملها وإلقائها داخل السيارة. لم يقف الأمر عند حدود التأديب والإهانة، وإنما تحولت مسألة الدبوس إلى قضية. فأحيلت الطبيبة إلى النيابة، وتداول عرضها على رئيس النيابة ثم المحامى العام ثم المحامى العام الأول، وبعد تحقيق معها استمر أربع ساعات أمر المحامى العام بحبسها 15 يوما على ذمة التحقيق. وللتنكيل بها فإن مسألة الدبوس لم تذكر ولكن وجهت إليها بضع اتهامات من بينها الانضمام إلى جماعة محظورة، والاشتراك فى تجمهر وتعطيل العمل بالمستشفى. وهى الآن رهن الحبس، فى انتظار نظر القضية.
ليس لديّ أي تعليق، ولكنني اتمنى ان تسترد مصر: الدولة والثورة، ما تستحقه من عافية ، وما يبحث الناس عنه من امن واستقرار، فنحن نحتاج دائما لمصر -لا على صعيد حقوق الانسان واحترام القانون- وانما على صعيد الحضور الانساني والسياسي الكامل؛ لأن غيابها عن محيطها العربي، أو انفصالها عن صورتها التي نريدها، يكبدنا خسائر فادحة ويضرّ بنا جميعا، ولهذا وجب التذكير ..فما يحدث هناك يعنينا جميعا ويؤلمنا ايضا.