عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

وصــفـــات لا تـلـزمــنــا…!

أدعو الله -دائماً- ألاّ يختبرنا في “وحدتنا” الوطنية، فهي آخر ما تبقى لنا من “عوامل” القوة والصمود في منطقة أججت فيها دعوات الكراهية نوازع الصدام والانقسام والصراع، وحولتنا -بفعل فاعل- إلى “دويلات” داخل هياكل الدولة، وأديان متناقضة داخل حرم الدين الواحد، وجماعات وطوائف ومذاهب متناحرة بعد أن كانت تدور كلها حول “فلك” حضارة عربية إسلامية واحدة.

الدعاء هذا لا يحتاج إلى مناسبة، لكن ثمة مسألتين أيقظته داخلي في هذا الوقت، إحداهما تنطلق بما شهدناه من سجالات “متوترة” على إيقاع خطى كيري وإطاره وجولاته المتكررة في منطقتنا، لدرجة أننا وضعنا أيدينا على قلوبنا خوفاً من الانزلاق إلى “فخ” انقسام سياسي واجتماعي، يمكن أن نعرف أسبابه لكننا بالتأكيد لن نكون قادرين على معرفة نتائجه أو محاصرة تداعياته، ومن المفارقات أن كل أواصر المصاهرة والنسب والدم كادت أن تتلاشى أمام “وهم” مصاهرة سياسية مجهولة الملامح، ومحكوم عليها بالفشل، وكاد البعض من المحسوبين على “النخب” من الطرفين أن ينتزعا منا أسوأ ما فينا، وأن يفرضا على مجتمعنا حالة من الشك والتشفي ومزيداً من الاحتقان.

أما المسألة الأخرى فتتعلق بما شهدناه من احتجاجات ضد قرار الحكومة بمنح دونم من أراضي “العتيق” لأبناء مدينة معان، ومع تحفظنا على ما جرى لاعتبارات عديدة سبق أن ذكرها البعض، ودفعت الحكومة إلى تأجيل تنفيذ القرار، إلا أن ما حدث عكس بوضوح “صورة” مجتمعنا في إطار الإصابات التي طرأت على “عرى” تماسكه ووحدته، والتحولات التي أفقدته “مناعته” الذاتية وقيمه الكبرى، خاصة إذا ما تذكرنا بأن “العونة” بمعناها الاجتماعي الواسع كانت “عنواناً” أساسياً للتكافل والتعاون والإيثار فيه، وبأن أواصر المصاهرة والدم والقربى كانت كفيلة بأن تجعله ينحاز دائماً إلى “العفو” والسماحة لا على صعيد “إسقاط” الحق في الأرض، وإنما في الدم أيضاً ليس استسلاماً ولا ضعفاً ولا تنازلاً، وإنما استجابة لقيم المروءة والنخوة والأخوة التي تقدمت على كل ما عداها من حسابات، إذا اتفقنا على ذلك ما طرأ على مجتمعنا من إصابات عميقة، على صعيد انتشار ظواهر “العنف” والسطو “والخاوة” والبلطجة، وعلى صعيد انتشار مظاهر “التسلح” واتساع مناطق الولاءات الفرعية، والإحساس بتراجع هيبة الدولة والقانون، وتنامي الشعور “بالاحباط” والانسحاب من العمل في المجال العام، والتغيرات التي طرأت على الواقع الديمغرافي بفعل عوامل التهجير الداخلي والخارجي، والتوظيف السياسي “للتجاذبات” داخل المجتمع.. وغيرها من العوامل التي تساهم في إدامة مصادر الفزع والتوجس وفي إيقاظ نوازع القطيعة والصدام، فإن صورة مجتمعنا التي نراها أمامنا (وهي تعكس بالضرورة واقعنا) تبدو مفزعة معاً وهي لا تحتاج لكثير من الدعاء فقط وإنما للعمل أيضاً، خاصة إذا ما تذكرنا بأن سلامة المجتمع من الانقسام والتفتت هي “خط” دفاعنا الأول، وبأن متانة جبهتنا ووحدتنا الوطنية هي سلاحنا لدفع العاديات -وما أكثرها- ورد “الموبقات” وأخطارها، مهما كانت مصادرها.

إن مشكلة بلدنا لا تتعلق أبداً “بتنوع” الأصول فيه، ولا باختلاف المشارب الفكرية والسياسية، وإنما بغياب “الإطار” الجامع، وغياب الإرادة السياسية عن “الاستثمار” في هذا التنوع، بدل استخدامه لغايات مؤقتة وناشزة أحياناً.

بصراحة، حين أشرت “للوصفات” التي لا تلزمنا، كنت أفكر في وضع نقطة على آخر السطر، لكن لكي لا تفوتني الفكرة أعتقد بأن المسألة تستحق الاستطراد، فقد “ابتلينا” بالعديد من الوصفات” والمقررات التي ساهمت في خلخلة مجتمعنا، منها ما هو من صنع أنفسنا، ومنها ما هو بفعل استحقاقات وضغوطات دولية وإقليمية، وقائمتها -بالطبع- طويلة، ابتداءً من قانون الانتخاب، إلى تعطيل مشروع الإصلاح إلى صناعة الاستقواءات وتغليب منطق اللحظة، إلى أزمة اللجوء السوري إلى “فخ” كيري.. وهي وصفات لا نريد أن نعلق عليها بأكثر من كلمتين: أنها لا تلزمنا.. لأن الحفاظ على وحدتنا الوطنية أهم وأولى منها.