عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

فــي انتظــار «غــودو» العـربــي

ما يحدث في مصر ليس نوعا من الفانتازيا السياسية فقط، وانما جزء من مسرح “اللامعقول” الذي شهده العالم “فرنسا تحديدا” في الخمسينيات من القرن الماضي بحد الحرب العالمية الثانية، حيث قدم صمويل بيكيت في مسرحيته “في انتظار غودو” اول عرض عبثي عكس فيه حالة “الظلام” والشك والخوف التي سيطرت على المجتمعات الاوروبية انذاك.

الآن، تتكرر عروض “في انتظار غودو”  على مسرح الحياة في عموم مصر العزيزة، لكن بنسخة عربية جديدة تجمع بين الكوميديا والتراجيديا وتتناسب مع “غودو” العربي ومع “طيبة” المواطن المصري ومع الزمن الذي اصبح “عالقا” في محطة الانتظار.

لا تسأل – بالطبع- عن فصول “اللامعقول” في المجال السياسي فثمة تفاصيل مثيرة “ومحزنة” تتمدد فوق احصائيات القتلى والمصابين والمسجونين، وهم بالآلاف، وتبدو واضحة في حركة “اللاعبين” في ميادين السلطة، وفي المشاهد التي تتناقلها الشاشات، من التحريض على القتل الى شيطنة المخالفين وتشويه الحلفاء “المارقين” ومن سعار “الارهاب” الذي اصبح شعار “المرحلة” الى تصور مؤامرات عالمية تقف وراء “الاخوان” في كل ما يفعلونه لدرجة التفكير باعلان الحرب على غزة.

اذا تجاوزنا “اللامعقول” السياسي الذي اصبح فيه “الخيار الامني” هو الحل، والزعيم “المنتظر” هو رئيس الضرورة والاستفتاء على الدستور مجرد تفويض للترشح والاستمرار في “المواجهة” ودققنا في “اللامعقول” الذي انتقلت عدواه الى المجالين: الديني والاعلامي، سنجد اننا امام “كارثية” لا تقل خطر عما شاهدناه في ميدان السياسة، وان كان كل ما يجري فيهما ليس اكثر من توظيف للتغطية على حركات ابطال المسرحية السياسية.

خذ مثلا، اخر نكتة ترددت في اسواق “الفتوى” احد الدعاه “اسمه مظهر شاهين” يفتي بوجوب تطليق الزوجة التي تنتمي الى جماعة الاخوان المسلمين، باعتبارها ارهابية متطرفة ضد الوطن وضد الدين كما افتى سابقا بعدم جواز دفن “الاخوان” في مقابر المسلمين وحرمة الصلاة عليهم، وخذ –ايضا- الفتوى ذاتها التي اطلقتها “مفتية مصر” اسمها (سعاد صالح) اذ اجابت على  سؤال لاحدى المشاهدات حول ابنها الذي ارتبط بفتاة من جماعة الاخوان، قائلة “الفكر الاخواني فكر مسموم ويضاد صحيح الدين والضرر الاخف يزال بالضرر الاشد وطالما انه لم يتزوجها فله ان يفسخ خطبته بها حفاظا على الاسرة”.

فتاوى “الشيطنة” لم تتوقف عند “تطليق” الزوجة وانما امتدت الى وجوب “قتل المتظاهرين” كما افتى بذلك المفتي السابق  لمصر، بل “طوبى لمن قتلهم او قتلوه” على حد تعبيره، والى ضرورة “الحذر”  من اصحاب “اللحى” حين تصادفهم  في الحافلة او في الطريق، كما نصح بذلك وزير النقل في فتوى سياسية خاصة، وعلى الطرف الاخر سبق وصدرت فتاوى تقتضي “قتل كل من يريد اسقاط الرئيس المصري” واخرى بوجوب “مساندة مرسي ضد معارضيه” وثالثة “بحرمة محاكمة مرسي” وكل ذلك في سياق “مواجهات” سياسية تم اقحام الدين فيها وتوظيفه والعبث بنصوصه ومقاصده والنتيجة –بالطبع- هي الاساءة اليه، واستمرار “مسرحية اللامعقول” التي اشرنا اليها سلفا.

في المجال الاعلامي  تبدو “صورة” اللامعقول ابشع مما يمكن رصده او التعليق عليه فبعض الذين كنا نتوقع انهم “يمثلون” الضمير العام للمجتمع والناس انقلبوا واصبحوا مجرد “كومبارس” وظيفتهم تزيين السلطة وتبرير اجراءاتها وفي لحظة واحدة تحوّل “الاعلام” الى نسخة واحدة ينقل احتفالات ميدان التحرير –مثلا- ويهمل “احتجاجات” المعارضين ومشاهد القتلى والجرحى الذين خرجوا “لاحياء” ذكرى الثورة، يشيطن استخدام “الاخوان” للاطفال في الاعتصامات ويحتفي “بالاطفال” وهم يرددون اناشيد “الولاء” لسلطة الانقلاب، يحاكم النظام “المعزول” على قتل العشرات ويغطي على قتل النظام الجديد للآلاف، وكأننا –للاسف- امام اعلام “هستيري” يصلح “كحالة” للدراسة والتحليل، لا على صعيد المهاد الاعلامي المهني او حتى السياق السياسي وانما على صعيد “علم النفس والاجتماع” ايضا.

يبقى اننا في مصر، وعالمنا العربي ايضا ما نزال نتابع بيكيت في مسرحيته “في انتظار غودو” وهي –بالطبع- فرصة لتذكير القارىء العزيز بقرائتها، وتذكيرنا –ايضا- بان لدينا تراثا طويلا في انتظار المنقذ والمخلّص والبطل، وقد دفعنا ثمن هذا الانتظار –وما نزال- مزيدا من العطالة والتخلف والدم، والسبب “كما قال الشاعر احمد مطر” في احدى قصائده “كانت معي صبية مربوطة مثلي على مروحة سقفية، جراحها تبكي السكاكين لها، ونواحها ترثي له الوحشية، حضنتها بأدمعي، قلت لها لا تجزعي مهما استطال قهرنا لا بدّ ان تدركنا الحرية، تطلعت اليّ ثم حشرجت حشرجة المنبه، واأسفاه يا سيدي اني انا الحرية”.