في الطريق إلى «جنيف 3»
انتهى “جنيف 2”، بلا نجاح ولا فشل، والموعد بعد عشرة أيام في “جنيف 3” … الإبراهيمي أقر بإخفاق الوفدين السوريين في الوصول إلى أي اتفاق حول أي قضية، بيد أنهما قررا البقاء على مقاعدهما حتى النهاية، وأكثر من ذلك، اعتادا الجلوس في تحت سقف واحد، حتى وإن لم يتبادلا الحديث مباشرة، وهذا ما عدّه الموفد الدولي تقدما بطيئاً ومحدوداً، يمكن البناء عليه.
كيف يمكن البناء على “جنيف 2”، وما الذي يمكن أن يجعل “جنيف 3” مختلفاً؟
عشرة أيام ليست مهلة طويلة او كافية لإحداث تغييرات جوهرية … لكن نقطة البدء في مسار التحضير لـ “جنيف 3” يجب أن تبدأ من إعادة النظر في تشكيلة الوفد السوري المعارض … هذا الوفد “غير مقنع” وفقاً للإبراهيمي ذاته، وهو غير ممثل حتى لقوى الائتلاف ذاتها، لا يمكن الركون إليه، لا في الوصول إلى اتفاقات ولا في تنفيذها، وحتى بفرض قبول وفد النظام البحث في تشكيل هيئة الحكم الانتقالية، مع من سيبحث ذلك، ومَنْ مِنَ المعارضة سيكون من ضمن هذه الهيئة، إن كانت معظم المعارضات خارج المؤتمر؟
الخطوة الثانية على طريق الإعداد لـ “جنيف 3” يجب أن تبدأ من تصحيح الخلل الذي ترتب على تغييب إيران عن “جنيف 2”، هذا ليس خياراً على الإطلاق، فإذا كان النظام السوري قد أبدى مرونة وموافقة على اعتماد “جنيف 1” أساسا للتفاوض اللاحق في “جنيف 3”، فهل ستكون إيران “أسدية أكثر من الأسد”، ولماذا يُراد إخضاع دولة بحجم إيران لاختبار الكرامة الوطنية، وهي التي قبلت الدعوة إلى “جنيف 2” والتي تتضمن الانطلاق من “جنيف 1”، لماذا لم يطلب من أي من الدول الأربعين التي شاركت في “جنيف 2”، أن تقبل بشروط مسبقة قبل حضورها للمؤتمر؟ إن الطريق إلى الحل السياسي في سوريا، يجب أن ينطلق من طهران كذلك، وليس من أنقرة والرياض وبغداد وعمان وبيروت وحدها.
أما حين يتصل الأمر بجدول الأعمال وأولويات التفاوض، فلا يمكن للمؤتمرين أبداً أن يظلوا في مربع المراوحة والدوران حول الذات … المعارضة مدعومة بحلف دولي وإقليمي عريض، تريد البدء بهيئة الحكم الانتقالية، فيما النظام مدعوماً بحلفائها، يريد الانطلاق من “محاربة الإرهاب” … والحقيقة أن “جنيف 1” هو رزمة متكاملة من الإجراءات والترتيبات، التي تبدأ بوقف العنف وإطلاق سراح المعتقلين ولا تنتهي بتشكيل الهيئة المطلوبة … سيظل المؤتمرون غارقون في جدل الأولويات العبثي، ما لم يتم السير بالمفاوضات في مسارات متوازية … أحدها يبحث في الترتيبات وإجراءات بناء الثقة، وثانيها في محاربة الإرهاب، وثالثها في الهيئة، ورابعها في مرحلة الانتقال على اتساعها، على أن تُقرأ نتائج التفاوض على هذه المسارات كرزمة متكاملة، ويكون القبول بأحدها رهينا بالقبول بها جميعاً، فالنظام لن يسلم بالهيئة ما لم يكن مطمئناً لمستقبله، والمعارضة لن تدخل في “تعاون” مع النظام لمحاربة الإرهاب، ما لم تكن مطمئنة إلى التغيير الذي تتوخاه وتتطلع إليه، والأطراف الإقليمية والدولية لها جملة حسابات ومصالح معقدة، تريد أن ترى الحد الأدنى منها، وقد تمت كفالته وحفظه.
“جنيف 3” على الأبواب، والتحضير له بدأ أمس في زيورخ في الاجتماع الثلاثي بين لافروف وكيري وبان كي مون … والشقة ما زالت واسعة ما بين رعاة جنيف أنفسهم، فيما التوافق الروسي – الأمريكي لا يبدو قد بلغ مستوى الخوض في “التفاصيل القاتلة” أو “الشيطانية كما يقال، فواشنطن منذ مونترو، وهي تعمد إلى تصعيد نبرة خطابها ضد النظام السوري وحلفائه، وهي لم تكف عن محاولة “حرق الأوراق” التي يلوّح بها النظام، فهي تارة تتهمه بالإرهاب، وبكونه الوجه الآخر لـ “داعش” في مسعى لنزع ورقته الأساسية: محاربة الإرهاب … وهي تعهدت بحفظ الأقليات بعد سقوطه، في مسعى منها لإحراق ورقة “الدفاع عن الأقليات”، وهي عادت لفتح ملف الكيماوي السوري، بل والنووي الإيراني، مرددة عباراتها القديمة التي سحبت من التداول لبعض الوقت: جميع الخيارات على الطاولة.
مثل هذه الأجواء، وإن كانت تندرج في سياق “العملية التفاوضية”، وتعد نوعاً من “التهويل المقصود” لتحقيق مكاسب على الطاولة، إلا أنها تسهم في المقابل، في بعث رسائل خطأ إلى الأطراف المحلية والإقليمية، وتساعد في خلق مناخات من البلبلة والارتباك في قراءة الوجهة الأمريكية، وتطيل في أمد الأزمة بدل أن تقصّره، وهذا ما بدأنا نلحظهمع عودة الأوهام العربية حول “الصحوة الأمريكية الجديدة”، فهل هي “صحوة” حقاً، أم أنها تكتيك تفاوضي جديد، يسعى في التغطية على ضعف وفد المعارضة التمثيل وارتباك أدائه التفاوضي؟!