كلام مع رئيس الوزراء الليبي
في الأخبار أن الميليشيات المسلحة تسيطر على موانئ ليبية لتصدير النفط، ورئيس الحكومة الليبي يفاوضهم تارة، و يتصادم معهم تارة، في سياق رغبته بتحرير الموانئ من يدهم .
الذي يقرأ الملفات الليبية منذ سقوط القذافي،يكتشف بكل بساطة ان الانسان العربي غير قادر للاسف،على اثبات قدرته على التحرر من الظالمين،وكلما أنزل العربي ظالما عن كتفيه، صعد آخر،وفي حالات يحمل العربي الظالم الجديد بنفسه معتداً مفتخراً.
إن انقلاب العربي على خياراته يأتي سريعا، وكأن الانسان العربي يعترف انه أدمن على القساة والظلمة والمتجبرين في الارض،وابتلاع اصنام التمر التي كان يقيمها العربي ابان الجاهلية لعبادتها،ثم يأكلها عند الجوع، أمر مازال نافذا حتى اليوم،تحت عناوين مختلفة.
الذي يحلل كل تجارب الربيع العربي يرى بشكل واضح،ان شعوبا عربية بقيت مرتهنة للتدخلات الاجنبية،وللاختلافات الداخلية،فيما انشطرت شعوب بأكملها.
كل هذه الهشاشة تكوينية وجينية في تركيبة العربي،ولم تأتِ بسبب الحاكم الذي رحل ظالما،بقدر كونها عنصرا اساسا في شخصية العربي الذي لا يحترم إلا القمع والسلطة والقوة والحديد، ولايخشى إلا من يخيفه وينهره.هنا مربط الفرس.
في ليبيا دعوات انفصالية، وشرق ليبيا يهدد تارة بالانفصال، وتارة يلوح بالفيدرالية، والجماعات الاسلامية المعتدلة والمتطرفة تتوالد في كل مكان، والصراع القبلي ينفجر بين مكونات المجتمع الليبي،والفتنة الجهوية نراها شمالا وجنوبا في ليبيا.
ثوار البارحة،ُ يقوضون دولة اليوم،بسلاحهم وفوضاهم ومطالبهم،التي وصلت حد السطو على موانئ البلد،بذريعة زيادة حصة شرق ليبيا من الصادرات النفطية،وكل القصة تقول إن السلطة انتقلت من يد شخص واحد،الى ايدي مجموعات متناحرة،على هذا الأرث.
ذات نقاش مع رئيس الحكومة الليبية علي زيدان وعدد من الزملاء في عمان مساء،واذ سألته عن الوضع في ليبيا،هوّن الرئيس الذي كان مختطفا وتم الافراج عنه قبل هذا اللقاء بوقت قصير،من اهمية التقارير التي تتحدث عن الوضع في ليبيا،واعتبر يومها،ان هناك مشاكل لكنها ليست بهذه الصورة التي تتم المبالغة بها اعلاميا،معتبرا ان ليبيا ستعود الى حالة الاستقرار عما قريب،وان علينا ان نصبر قليلا،فما قلنا له ان الصبر بحاجة الى صبر ايضا.
الرجل مثل غيره من مسؤولي ما بعد الثورات العربية،يصعب عليهم الاعتراف،بالضعف في عملية اعادة بناء الدول،وهذا لايدفعنا للترحم على الظلمة،بقدر اثارة التساؤلات حول سر عجز العربي عن اعادة البناء،لما تم هدمه.
اذا كانت ليبيا مهدمة اساسا،فلماذا لم يتمكن الليبيون من بناء بلدهم،ولماذا يثبتون مثل غيرهم من عرب،اننا لانستحق إلا انظمة بوليسية قمعية،لا تأخذ ولا تعطي،تفصل بحد السيف بين الناس،ولا تمنح للانسان حقوقه وحريته،لانه لايصونها.
هذا كلام مؤسف، سيثير غضب كثيرين، لكن علي زيدان رئيس الحكومة الليبية يومها وخلال النقاش،حاول التخفيف من حادثة خطفه،ومغزاها الامني والسياسي،وقال إن الوضع في ليبيا ينزع تدريجيا الى الاستقرار لكنه لم يجب على مضمون التساؤلات،التي تقول إن مجرد خطف رئيس حكومة في بلد يعبر عن سوء فهم عميق،لمغزى اي ثورة في اي بلد.
تتنزل المعلومات هذه الايام،عن تهديد باغتيال رئيس الحكومة الليبية،وليبيا باتت ساحة مفتوحة للفوضى والقتل،ونسمع يوميا عن حوادث الاقتتال بين الميليشيات وبين هذه الميليشيات والدولة فوق التعرض لدبلوماسيين امريكيين ومصريين وغيرهم.
اذا كان اتباع القذافي على المستوى القبلي والسياسي يلعبون دورا في هذا الخراب،كما يقال لنا،فهذا يعني ان مؤسسته مازالت فاعلة،وان الثورة لم تكتمل.
الربيع العربي في نسخته الليبية سيئ للغاية،وبقية النسخ،ليست احسن حالا،ولايمكن هنا ان نتهم فقط الاشباح بتدبير هذه المؤامرات،لافشال الربيع العربي،فلا مؤامرة تنجح لو لم تجد عنصرا يساعد في انجاحها،ولو لم تحقق خروقات على صعيد البنى الاجتماعية تسمح بانسياب كل فصول المؤامرة،وهذا يعني ان المشكلة تكمن فعليا في بنية الانسان العربي.
طلب منا رئيس الحكومة الليبية،ان نصبر،قليلا،وقد صبرنا،فما رأينا الا خرابا فوق الخراب في هذا البلد العربي المبتلى بصدام الارادات،وهذا اخطر انواع الصدامات.