عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

«مؤامرة» بعيون المغفلين فقط!

قلت في مقالة أمس إن موجة الصراع على الهوية، أو الصراع داخل الهوية، أو الصراع من أجل الهوية، أصبحت العنوان الأساس لما يجري من تحولات في منطقتنا العربية.

حين تدقق فيما يحدث في سوريا، مثلا تجد أن تحت الغطاء السياسي للصراع الدموي “قنابل” متفجرة ذات صواعق تتعلق بالهوية: هوية الدولة وهوية الطائفة والدين، صحيح أنها ليست جديدة، باعتبارها تمثل جزءاً من “التعددية” التي تحظى بها منطقتنا، لكن الصحيح أيضا انه جرى “تلغيهما” وتوظيفها لتمزيق البلد، وتفتيت مكوناته وعناصره، وبالتالي تحولت التعددية من نعمة الى نقمة.

وعندما تدقق ايضا فيما يحدث في مصر، ستلحظ أن الصراع السياسي هو صراع على هوية الدولة، وأنه جرى داخل حدود المذهب الواحد، واستدعى – بالضرورة- توظيف “الدين” واتباعه – على الطرفين الاسلامي والمسيحي -، وكانت النتيجة – كما نرى – هي اضعاف الدولة، وادخالها في حرب استنزاف داخلية تهدد بتمزيق المجتمع وتكرار تجربة “الجزأرة” فيه.

لا يختلف الحال في العراق، فالمواجهة بين الحكومة التي يرأسها المالكي وبين المعارضة ذات اللون السني في الغالب، عنوانها الاساس هو “الصراع” على هوية الدولة، سواء في المجال العربي أو الاسلامي، اذ يستشعر الطرف السني في العراق أن ثمة محاولات تستهدف اقصاءهم لمصلحة هوية جديدة للدولة، وان من يقف وراءها هو “ايران” التي تدفع باتجاه “تغيير” تضاريس العراق لتتناسب مع “مشروع” التمدد والنفوذ الذي تتبناه في اطار الصراع على الهويات في المنطقة.

ليس بعيداً ابداً من هذه الوقائع ما نشره احد المفكرين الإسرائيليين (اسمه اوديدينون) العام 1982 بعنوان “استراتيجية من اجل اسرائيل” وقد ترجمت للانجليزية بعنوان “الخطة الصهيونية للشرق الاوسط”، وفيها يتبنى فكرة “الصراع على الهوية” داخل الدول العربية وفيما بينها كأساس لتفتيت هذه الدول وبسط هيمنة اسرائيل عليها، ومع ان هذه الوثيقة المهمة تضعنا أمام التصور الصهيوني في التعامل مع المحيط العربي والاسلامي بشكل مفصل، فإن ما ذكره في الفصل الأول حول واقع العالم العربي الذي يعتقد انه يتكون من “موازابيك” من دول تتصارع في داخلها قبائل وأقليات وطوائف قومية وعرقية ودينية ومذهبية، يعكس بوضوح ما حدث في واقعنا، سواء من جهة ما نفعله بأنفسنا أو من جهة ما يريده الآخر لنا.. وما أنجزه ايضا.

في وثيقته يعتقد (ينون) أن إسرائيل لم تخترع الاختلافات والتناقضات القائمة في الدول العربية والاسلامية، وان كل ما عليها ان تفعله هو تعميق تلك الاختلافات ودفعها الى مستوى التناقضات الرئيسة وتفجيرها كلما كان ذلك مناسبا لإسرائيل، كما انها عليها في الوقت ذاته ان تقاوم كل محاولة لحل او تجاوز هذه الاختلافات تحت اي شعارات كانت: وطنية او قومية او اسلامية، ويضيف “الحل الامثل الذي يحقق لإسرائيل امنها المطلق هو ان تصبح كل دول المنطقة طائفية او عر قية او مذهبية او عنصرية..”.

ما ذكره الرجل قبل نحو اكثر من (30) عاما (علق عليه د. حسن نافعة) أصبح واقعا لا تكاد تخلو منه معظم دولنا العربية، ففي ظل الصراع على “الهوية” بأبعادها المختلفة، وهو صراع مفتعل ومغشوش – بالتأكيد – انتهت تجربة الدولة العربية الى ما نراه اليوم من “تفتيت” للدولة وتمزيق للمجتمع، وتحولت الشعوب الى “طيور” مهاجرة قصراً، وبدل أن تقلص الحدود اصبحت قابلة “للانقباض” اكثر على ايقاع امكانية نشوء “دويلات” داخل الدولة، ومجتمعات متناقضة داخل المجتمع، وسلطات متناحرة داخل السلطة ذاتها.

لا اعتقد ان ما حدث في عالمنا العربي كان صدفة، بل هو “مخطط” يعد سلفاً، (المغفلون يسمونه مؤامرة!) ولا اعتقد ان اسرائيل التي انتظرت مثل هذه اللحظة ستضيع هذه “الفرصة” التاريخية للاجهاز على عالمنا العربي، وأخشى ما أخشاه ان يسير قطار “التسوية الذي يقوده كيري على “سكة” هذه الاستراتيجية التي تحولت من حلم الى حقيقة.. وان نفاجأ بما ذكره “اوريد ينون) حول تحقيق امن اسرائيل المطلق على “انقاض” دول عربية مزقها “الصراع” على الهوية..