مقررات قد تكون مطلوبة لكن توقيتها خطأ!
قانون الانتخاب لا ينشئ الديمقراطية، ولكنه “يكيّف” المجتمع للتعامل مع الديمقراطية وفق الاستحقاقات السياسية المطلوبة، وبالتالي فهو “وسيلة” للتعبير عن المنطق السياسي الذي يفترض ان يعكس الواقع الاجتماعي، أو يحاول إعادة “تركيبه” أو تزيينه أو تغيير معادلاته القائمة باتجاه معادلات اخرى فرضتها نوازل ما أو احداث ومستجدات طارئة.
منذ نحو عقدين استقرت الادارة السياسية على اختيار “الصوت الواحد” كأساس لإجراء الانتخابات البرلمانية، ثم جرى اضافة تحسين عليه في القانون الذي تمت الانتخابات للمجلس الحالي على اساسه من خلال “القائمة” الوطنية (30 مقعدا)، لكن هذا الخيار تعرض لكثير من النقد والرفض، حتى من قبل الذين انخرطوا في العملية السياسية وشاركوا في الانتخابات، ما يعني أن المطالبة بتغيير القانون والنظام الانتخابي ظلت “حاضرة” لدى اغلبية القوى السياسية وتكاد تكون “مطلبا” اردنيا بامتياز.
الآن، ثمة توجه رسمي لإحالة مشروع قانون انتخاب الى مجلس النواب، ويقال إن المطلوب انجازه في غضون شهر، لا أحد – بالطبع – يعرف حتى الآن تفاصيله وملامحه، ولا اسباب الاستعجال في اقراره، لكن ثمة ثلاث خلفيات يمكن الاستناد اليها لفهم هذا الاستعجال: إحداها احالة القانون السابق الى المحكمة الدستورية بحجة وجود شبهة دستورية، ومع ان قرار المحكمة لم يصدر بعد، فإن الاستعجال بإقرار قانون جديد قد يفهم في سياق امكانية حل البرلمان الحالي، وضرورة اجراء انتخابات جديدة على اساس قانون خال من الشبهات الدستورية، علما بأن التعديلات الدستورية الجديدة تحرم الحكومة من اصدار قوانين مؤقتة إلا وفق الموضوعات المحددة دستورياً، والانتخاب ليس من بينها، أما الخلفية الثانية فهي امكانية توافر إرادة سياسية للمضي في طريق الإصلاح، وبالنظر الى المشهد السياسي والبرلماني تحديداً، وما اتسم به من تواضع لا يتناسب مع طموحات الدولة ومتغيرات الإقليم، فإن قرار قانون انتخاب جديد قد يفهم في إطار “الاستحقاق” الاصلاحي وربما يعكس قراءة مغايرة لما توقعته المعارضة، وهنا فالدولة تريد أن تثبت مصداقيتها في “التدرج” الإصلاحي، والمدخل الأساس هو “تحديث” النظام الانتخابي.
تبقى الخلفية الثالثة وهي الأهم، والتي تتعلق بما يجري على صعيد ملف “التسوية” واستحقاقاتها، وربما يفهم إقرار قانون انتخابي جديد كاستجابة لما تفرضه هذه العملية من تغيرات في المعادلة “الوطنية” وذلك لاستيعاب مخرجات التسوية وتهيئة المناخات العامة لقبولها والتعامل معها، وهنا يبدو الاستعجال بتمرير قرارات مثل “تجنيس ابناء الأردنيات” وتشريعات مثل “الانتخاب والاحزاب” واجراءات مثل “منح جوازات سفر لأسباب انسانية واستثمارية”، مشوبة بألغاز “التوقيت”، ذلك أنه لا يمكن ان تفهم مثل هذه المقررات الا في سياق فهم “التوقيت” واعتباراته وضغوطاته، خاصة اذا ما تذكر بأن المطالبات الشعبية بمثل هذه القرارات كانت قديمة، وقد رفضت آنذاك، كما انه تم رفض “مقترحات” لجنة الحوار الوطني التي شارك فيها معظم القوى السياسية وحظيت بإجماع وطني، الأمر الذي يعزز مزيداً من “الشك” حول جدوى الاستعجال واختيار هذا “التوقيت” بالذات.
لا استطيع – بالطبع – أن أرجح أياً من الخلفيات الثلاثة التي أشرت لها سلفاً، لكنني اتمنى على المسؤولين في بلدنا أن يراعوا مسألتين: إحداهما ضرورة مصارحة الناس بما يفكرون به، وما يحيط بهذه المقررات والإجراءات من أسباب ودوافع في سياق اطلاق “مشروع الاصلاح” بمضامينه ومواقيته واهدافه، اما المسألة الاخرى فتتعلق بأهمية اختيار التوقيت المناسب، واعتقد – هنا – ان هذا التوقيت غير مناسب لتمرير هذه المقررات حتى وإن كانت تحظى بإجماع اغلبية الناس، لا لأن لدينا اولويات اخرى اهم، بل أيضا لأن “حالة” مجتمعنا في هذه المرحلة التي تتعرض فيها المنطقة للفوضى وخلط الاوراق، ويتعرض فيها بلدنا لمخاطر دفع “كلفة” التسوية التي تجرى في مناخات عربية كارثية، لا تبدو لائقة ولا مناسبة لإقناع الرأي العام بأنها تصب في مصلحته، وتنسجم مع تطلعاته، بل على العكس تماماً، فهي تعزز مخاوفه وشكوكه وربما رفضه.. ولهذا لزم التنبيه والحذر.. والتأني وعدم الاستعجال ايضاً.