فريضة «التوافق» لمواجهة استحقاقات التسوية
لا بأس، اختلفنا على مدى السنوات الثلاث المنصرمة حول ملف الإصلاح ومطالبه، فالبعض قبلَ “الوصفة” وانخرط في العملية السياسية والبعض الاخر تحفظ عليها والتزام مقاطعتها، واختلفنا ايضا على الملفات الخارجية، طرف صفق “ للاسد” وآخر “للاسلاميين” وطرف اعتبر “الربيع” العربي مؤامرة فيما اعتقد آخرون انه “ارادة” شعبية بامتياز.
كان الاختلاف انذاك مفهوما في سياق “تقدير” المصلحة الوطنية وما يحدث في الاقليم من تحولات واضطرابات، وكان –ايضا- مشروعا في اطار التعددية السياسية والاجتماعية “وحالة” مجتمعنا وظروفه وخصوصياته، وكان –ايضا- مقبولا نظرا لما انتهت اليه التحولات التي جرت حولنا من كوارث وصراعات وتدخلات دولية، احكمت قبضتها على “الحدث” وحوّلت مساراته الى “قنوات” صبّت في مصالحها الحيوية.
الآن تغيرت الصورة تماما، فالحدث الذي نواجهه لا يتعلق بملف “اصلاح” يمكن ان نتوافق على جدولة المطالب حوله، ويمكن ان “نبتلع” انحراف سكته، ولا يتعلق ايضا “بأنظمة” سقطت واخرى نهضت تربطنا بها بعض المصالح والحسابات، ويمكن ان نتأثر بما جرى لها، او ان تتكيف مع مستجداتها او حتى ننأى بأنفسنا عن التدخل في صراعاتها ومآلاتها، هذا الحدث الجديد يتعلق بوجودنا اولا وحضورنا ثانيا، او ان شئت فانه بالنسبة لنا قضية وجود لا مجرد دفاع عن الحدود.
اتحدث –هنا- عن “حدث” التسوية الذي يمكن اذا اكتمل ان يتحول الى “تسونامي” من شأنه أنْ يغير تضاريس منطقتنا وبلدنا ايضا وبقدر ما يتعلق “الخطر” بفلسطين وقضيتها ومصير شعبها فانه يتعلق ايضا بالاردن وقضيته ومصير شعبه، ومع ان الفصل بين المسألتين يبدو مجرد “وهم” الا ان ما يهمنا –كأردنيين- هو الدفاع عن مصالحنا، والانتباه والحذر مما تطرحه خطة “كيري” من افكار وشروط لتسوية الصراع الفلسطيني في ظل اختلال موازين القوى ومناخات الفوضى التي تخيم على المنطقة كلها.
لا نريد ان ندخل في تفاصيل “التسريبات” التي تجري – واغلبها من مصادر اسرائيلية- حول العروض التي قدمت، والاستجابات التي تمت، كما اننا لا نعرف –بدقة- البدائل المتوافرة امامنا في حل تكرار بروفة اوسلو، لكن ما يجب ان نشير اليه هو اننا امام استحقاق تاريخي لا يمكن لأي طرف مهما كان وزنه أن يتصدى له وحْدَه أو انْ يقرر التعامل معه بمعزل عن “توافق” وطني عام وبالتالي فان من واجب القوى الوطنية والشعبية ان “تتوحد” على موقف واحد وان تنهض بعيدا عن اختلافاتها السياسية والفكرية للتصدي لأي مشروع يستهدف مصالحنا العليا ويهدد امننا واستقرارنا وحقوقنا.
اذا كان مطلوبا من “الرسمي” أنْ يفتح عيونه على ما يحدث وان يصارح الناس بما يجري وان يكون جاهزا لخوض معركة “المفاوضات” بما لديه من اوراق سياسية ومن ادوات دبلوماسية فان المطلوب من المجتمع –بما فيه من قوى سياسية ومدنية- ان يبادر وينهض ويتحرك لا من اجل دعم الموقف الرسمي فقط وانما من اجل تصحيح مسارات “البوصلة” التي يبدو انها تتوجه الى العنوان “الإسرائيلي” ولا تضع اي اعتبار لمصلحة اي طرف باستثناء “امن” اسرائيل.
لقد سبق لمجتمعنا –حين كان يتمتع بقدر من العافية- ان “توحد” لمواجهة اعاصير عديدة عصفت بنا في بدايات اقامة الدولة وفي حروبها مع اسرائيل وفي عاصفة الخليج وما بعدها، وها نحن الان امام “اعصار” لا يقل خطرا عما تعرضنا له فيما مضى، ويتوجب علينا ان نحشد ما لدينا من طاقات لمواجهته، لا من خلال بيانات رفع العتب، ولا افتعال الاشتباكات والمناكفات السياسية وتسجيل المواقف وانما من خلال مواقف شعبية وسياسية تضع “الاردن” دولة ونظاما كأولوية دفاعا عن الوجود لا الحدود فقط، وحفاظا على الوطن وهويته وعن الكرامة الوطنية وهي مهمة لا يمكن لغيرنا ان يقوم بها ولا يمكن ان ننتظر من اي طرف ان يساعدنا فيها، ذلك اننا ندرك تماما ما تعرض له محيطنا العربي من اصابات وما يدور حولنا من “صفقات” لتقسيم المصالح والنفوذ.. وبما اننا جزءٌ من هذه النوازل فمن الضروري ان نعتمد على انفسنا في تجاوزها بأقل ما يمكن من خسائر.