الشهداء الأسرى والقيامة العاجلة
الشهيد رقماً، حتى لو كان هذا الرقم فلكياً وما يسمى في المعجم العبري مقابر الارقام هو اعادة قتل للموتى، وحين يفرج الاحتلال عن هؤلاء المئات من ذوي الاسماء والتواريخ والسير الذاتية، فذلك ليس له الا معنى واحداً هو القيامة العاجلة، واعادة الدفن ليست كما تبدو للعين الكليلة، انها اطلاق وتحرير، لأن الرقم يتحول لمجرد ان تصغي عتبة داره لحفيف كفنه الى وشم على ذراع وطن.
لن نقول للسادي والنازي الذي ينكل حتى بالموتى كفى لأنه ببساطة لن يكف عن ذلك بعد ان تحول القتل الى مهنة، وبعد ان تتلمذت الضحية على جلادها وتجاوزته بدلاً من ان تكون نبيلة وتعلن العصيان على تعاليمه.
كان امام هؤلاء الشهداء ان يواصلوا الحياة مثلنا وعلى طريقتنا وان يتأقلموا مع وضع تاريخي استثنائي بقدر ما هو طارىء وشاذ، لكنهم فضلوا الخيار الآخر، فجذور النباتات في قبورهم اشرف الف مرة من رغيف مغمس بماء الوجه، لأنهم كانوا مطالبين كما يقول الباقي محمود درويش بأن يدفعوا ثمن حبة الزيتون جلدهم، لهذا كم كانوا وحدهم لكنهم في قيامتهم الوطنية العاجلة سخروا من السجّان لأنه سجين وهو آخر من يعلم انه سجين ساديته وشهوة القتل المزمنة لديه، وهو سجين عماه الذي صور له الجحيم وطناً!
شهداء العرب في هذا الوقت الرمادي مجرد ارقام بالنسبة لقاتليهم وبلا أسماء في نشرات الاخبار، لان من يهن يسهل الهوان عليه، وحكمته الخرقاء هي ان الشاة لا يضيرها السلخ بعد موتها..
لم يحدث من قبل ان وقع حتى الموتى في الاسر، واعتقلوا في مقابر رقمية، لكن من أرادوا تحويل التاريخ الى خرافة يفعلون ذلك، وقد يقترفون ما هو أبعد، ليس على طريقة ان لم تستح افعل ما تشاء بل على طريقة ان لم تخف فكل شيء مباح ومتاح!
هؤلاء الشهداء الاسرى يليق بهم ان تطلق اسماؤهم على الشجر، فلا يعود السنديان سندياناً والزيتون زيتوناً والسرو سرواً والتين تيناً، بل يصبح السنديان أحمد والزيتونة فاطمة والسروة محموداً!
في هذا الهولوكوست المعكوس، تتحول الحياة كلها الى حفلة تنكرية، ويطالب القاتل ضحيته بالتعويض والاعتذار، ومن سرقوا حتى المطر بعد الحجر والشجر لا يعرفون بأن ما فعلوه بمقابر الارقام التي سجنوا فيها الموتى هو قيامة عاجلة.. لكن للتاريخ تقاويم اخرى غير تقاويمنا الداجنة، فاليوم الواحد من ايامنا قد يكون عقداً أو قرناً بمقياسه.
لهذا لن يبقى الحال على ما هو عليه، وما يعج به هذا الواقع العربي من ممكنات بشرية وقوى هاجعة تتعرض للاجهاض اليومي لن يبقى طيّ الكتمان، ومن أحصوا لياليهم الطويلة بعدد من فارقوا من الاهل والشهداء والمنفيين لن يدوم صمتهم طويلاً ولن يدوم موت قتلاهم طويلاً، فهم على موعد محتم مع قيامة قومية عاجلة!