دولة تتجنب الصراعات
أمضيت في ابوظبي ودبي ثمانية ايام، وهذا البلد العربي النفطي، يعد البلد العربي الوحيد الذي يفيض بالسياح،والعمالة، والمستثمرين والزائرين على حد سواء.
هذا انموذج لاتراه في دول ثرية اخرى في العالم تخشى من الزائرين وتتحوط من طلاتهم، كونهم يبحثون عن فرصة عمل، في مناخات الازدهار الاقتصادي.
سمات التركيبة الاقتصادية تتكفل -بشكل طبيعي جدا- باستيعاب من يستحق البقاء، ومغادرة من هو غير قادر على الثبات، قبل التعليمات والأنظمة والقوانين؟!.
تقف عند ملفات عدة هنا، ابرزها قدرة الامارات على تجنب الصراعات في المنطقة، وتجنب الصراعات ليس ضعفا بل فرادة، بعد ان رأينا نماذج عربية لدول مختلفة، تترنح تحت وطأة الصراع الخارجي او الداخلي؛ ما ادى الى انهيار تلك الدول وخرابها، وتدمير بناها التحتية وحياة شعبها، جراء اشتباكها مع ملفات ساخنة سياسيا وعسكريا، او جراء انفجار خواصرها الداخلية لسبب او لآخر، وإهمال التفاصيل -احيانا- يأخذ اي بلد في الدنيا الى خراب شامل.
تاريخيا فإن دولا عربية كبيرة دفعت ثمنا مؤلما جراء مغامرات قياداتها، وهي مغامرات زجت هذه الدول وامكاناتها وشعوبها في حروب تحرق الأخضر واليابس، فلا بقيت دول رفاه اقتصادي، ولا حققت «عنوانا قومجيا» رسمته ظاهرا فيما كان وسيلة لنحر تلك الدول.
بالمقابل فإن دولا اخرى انتحرت داخليا تحت وطأة الفوضى التي ارتسمت ايضا تحت عنوان المظالم، او صدام المكونات، او تحت تلك الجاذبية التي اختطفت دولا عربية بأكملها كما رأينا في الربيع العربي، الذي ادى في المحصلة الى خراب دول عربية، بعد ان ثبت ان لاثورات صمدت، ولاشعوب حققت مرادها تحت وطأة عوامل عدة.
اللافت للانتباه -هنا- ان دولة مثل الامارات، قريبة بعيدة، عن ملفات المنطقة الحساسة، استطاعت ان تبقى قوية،وتنأى بنفسها ايضا عن لعنات المنطقة دون اذابة لدورها، أو تواريها في الظلال، اذ تكفيها ملفات مثل حرب العراق سابقا، ثم المشاكل الحادة والعميقة التي تعصف بالخليج العربي، على خلفية العلاقة مع ايران، وهذا ملف بحد ذاته خطير جدا، وانفجاره كفيل بمد النيران الى كل دول الخليج العربي.
الفرادة في سياسة البلد تنبع من القدرة على ادامة الاستقرار والانتعاش الاقتصادي من جهة، في خط متوازٍ مع الاستقرار السياسي والامني، فيما الكلفة المدفوعة غير محسوبة امام نتائج الواقع.
الخاصرة الايرانية الضاغطة على امن الخليج، عموما، فوق ملف المذهبية، وملف التطرف، وملف رياح الربيع العربي القادمة من المشرق المتوهج، ملفات تم تجنب كلفتها بشكل واضح جدا.
المال ليس هو السر، اذ ان هناك دولا عربية ثرية جدا، لم نر فيها ازدهارا اقتصاديا، ولاقدرة على الانفتاح على العالم، فيما أجهِدتْ تحت وطأة ملفات كثيرة، وهنا فإن مبدأ تجنب الصراعات الذي يحمي اي دولة تعتمده، على صعيد السياسة الخارجية تحديدا، مبدأ قابل للقراءة باتجاهين فكثيرا مايضر الدول التي تعتمده، خصوصا، اذا تم توظيفه في غير موقعه وتوقيته، فينقلب هشاشة ومحوا للمكانة.
لكننا بصراحة نلمس ان مبدأ تجنب الصراعات في هذه الحالة، لم يعكس حالة من الضعف والهروب الى الظلال، بقدر ماكان يعبر عن تقدير المخاطر جيدا، واعتبار ان مصلحة البلد والناس، هي العليا، فلا يتم العبث بها، ولا الزج بها في مغامرات غير محسوبة، تحت وطأة سحر المال وقوته، ودفعه للدولة نحو التورط في ملفات كثيرة.
اذ ترى بلدا عربيا في موقع حساس جدا، يسلم من خراب العالم العربي، وحروبه الكبيرة والصغيرة، تسأل نفسك عما يمكن ان يفعله الاخرون لحماية شعوبهم؟، بعد ان ثبت ان نزعتنا للانتحار مرتفعة، في مواقد الاقليم وحروبه، او على مذابح الداخل، كما رأينا خلال العقود الفائتة.
أنْ تبقى هذه الايام قويا مزدهرا برغم كل الحرائق في المشرق العربي، ميزة، لايمكن -ابدا- التقليل من اهميتها، اذ يكفينا مانراه في كل مكان، من غرق شعوب ودول بأكملها في طين التحولات والمخاطر، وبالتأكيد فإن هكذا سياسة خارجية لايمكن ان تنجح مالم تتكئ على بنية داخلية آمنة ومزدهرة وقبل كل شيء، تتسم بالعدل في الحياة، حياة المواطن، وحياة المقيم معا.
العدالة بحد ذاتها، طوق نجاة لأي بلد.