اعتذار
لافت للانتباه حد الفجيعة الخبر الذي بثته وكالات الانباء حول جرح اكثر من ستمئة ليبي خلال احتفالهم بمفرقعات نارية في ذكري ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، واكثر من ستمئة ليبي يتعرضون لحروق بالغة لانهم لايجيدون التعامل مع المفرقعات النارية!.
يستحق الاستعمار الاجنبي -الذي مر على بلادنا- برقية اعتذار، لاننا حملناه اكثر مما يستحق، ومازلنا حتى يومنا هذا، تتكشف عوراتنا امام الامم، التي اتهمناها بتجهيلنا وتخريب اخلاقنا وقتلنا وجرحنا وهتك عذرية طهرنا، وقد رحل الاستعمار منذ عشرات السنين، ولايجد العربي اليوم، شبحا خفيا ليتهمه بالمؤامرة على وجوده الكوني، وبدلا من هذه الطريقة علينا ان نعترف فقط بالجهل المدقع، الذي لم ترفعه لاشهادة المدرسة ولاالجامعة، فهو عميق حد العظم واللحم معا، ومزمن مثل الروماتيزم.
لماذا تتآمر علينا الامم وترسل جنودها لقتل عبقريات شرق المتوسط وغربه؟؟، اذ اننا نموت مجانا، وبأيدينا نحن، في ليبيا اكثر من ستمئة شخص يعودون محروقين لانهم كانوا يحتفلون، وفي مصر ملايين الاشخاص بلا منازل ينامون في المقابر، ومعهم ملايين مصابون بالسكري والكبد الوبائي، فوق نسبة الامية التي تصل الى خمسين بالمئة، وفي الاردن يتم جرح اكثر من عشرين الف شخص سنويا بسبب حوادث السير، وفي دول عربية نفطية عشرات الاف الجرحى سنويا بسبب ذات الحوادث؟!.
والربيع العربي رفع ارقام القتلى والجرحى، يوميا يموت المئات في العالم العربي، في سورية العداد مفتوح، وفي العراق قتلى من شتى المنابت والمذاهب، والتفجيرات تمتد من العراق الى مصر، وفي الجزائر بلد المليون شهيد،شهدنا موجة من الاقتتال قبل سنين عنوانها الدين والتدين، وحصيلتها عشرات الاف القتلى والجرحى، ولبنان يتفجر يوميا، والهدف المطلوب قتله يأخذ في طريقه عشرات القتلى والجرحى، ومن لم يمت بالسيف مات بالمذهب او بالدين او بالاصل والمنبت، او بالصدفة في اغلب الحالات، وعدد القتلى والجرحى في العالم العربي، خلال مائة عام، اعلى من ضحايا حرب عالمية.
هي اذن مقبرة قومية ممتدة من الشرق الى الغرب، وتعجب من اولئك الذين هاجروا الى الغرب وامريكا واستراليا وكندا كيف فروا من هذه المقبرة القومية لكنهم بعد سنين يعودون ويستدعون هذا الموت المجاني، في ارتباطات وتنظيمات تجلب اللعنات على الطوائف المهاجرة، وكأن الموت عقيدة لايعيش العربي دونها، ولو كانت عقيدة ذات حبل سري سماوي، لفهمنا لان فيها جنة وشهادة، لكنها ظنون وعقليات تدفع الامة الى الانتحار، بحيث تكون المقبرة جماعية، وشواهد الاضرحة ممتدة من مشرقنا الى مغربنا، والعنوان يقول مات دون ان يعرف السبب!.
مرات تحب ان تضحك على نفسك فتقول من باب العظمة، إن هذه الامة مثل الحيتان –امعانا في الغرور- يحب افرادها الانتحار على الشواطئ، على طريقة الحيتان، لكنك تضحك على نفسك وعلى غيرك بهكذا انتحارات لغوية ايضا.
العالم العربي اليوم مثل قبر جماعي، كل يوم ينضم اليه وتحت ترابه اعداد كبيرة، لاسباب مختلفة، من حادث السير الى من مات بالصدفة، مرورا بالطفل الذي لم يجد خافض الحرارة، فلايثير اعصابك هنا سوى اولئك الماكثين في غامض الخيالات والغيب فيقولون لك، انتظر سترى مستقبل هذه الامة، فتقول لهم، اننا سنبقى نحلم لاننا اسقطنا الرياضيات من حياتنا واستبدلناها بابن سيرين واحلامه، والرياضيات لاتعرف سوى الارقام، ومجموع واحد مع واحد لايساوي الا اثنين، فيما عندنا مجموع واحد مع واحد يعطيك صفرا مكعبا ببضع لغات وعدة الوان!
ذات شفافية قال ابوفراس الحمداني: «ونحن أناسٌ لا توسطَ بيننا ..لنا الصدرُ دون العالمين أو القبر»..ولو عاد صاحبنا لعرف اننا اخترنا خياره الثاني، وادعينا ايضا ان صدر العالمين حق مسلوب لنا!.
ستمائة يعودون محروقين من احتفال..وسيقنعهم احدهم ان في هذا اجرا وثوابا في ظلال المناسبة الشريفة!.