«3» حقائق للخروج من الإجرائية إلى الاستراتيجية!
ثلاث حقائق يجحب أن نضعها في اعتبارنا إذا أردنا أن نخرج من سياق “السياسات” الإجرائية إلى سياق الرؤية الاستراتيجية للمرحلة القادمة.
الحقيقة الأولى أن المنطقة وقعت في مستنقع “العنف”، وبالتالي فإن بلدنا محاط بـ”زنّار” من اللهب، ويجب علينا أن ندقق في عناوين هذا العنف ومصادره وتداعياته، و إمكانية تصديره، وقابليتنا لاستيراده.
ولكي تتضح الصورة أكثر فإن “العنف” الذي نتحدث عنه، سواء أكان تحت لافتة “الصراع” المذهبي أو الطائفي أو الديني يندرج في عنوان أساس، هو: “السياسة” حيث تتدافع القوى بمختلف اتجاهاتها للهروب من “الانسدادات” المقصودة التي أصابت العملية السياسية إلى “القبض” على الحكم والسلطة بـ”القوة”، ومن المتوقع أن تستمر دوامة العنف لوقت طويل وذلك لسببين: أحدهما يتعلق بـ”موازين” القوى الداخلية التي تبدو متوازنة في ظل عناد الأطراف على انتزاع النصر مهما كان الثمن، والسبب الآخر يتعلق بالمواقف الإقليمية والدولية التي يبدو أنها مصرّة على “تأجيج” العنف لاستنزاف المنطقة ودفعها إلى القبول بما يعرض عليها من “تسويات” تصب بالتالي في مصالح “الكبار” وحلفائهم.
الحقيقة الثانية هي أن عالمنا العربي الذي يتعرض لـ”اسوأ” عملية استنزاف وتفتيت، اصبح في هذه المرحلة “خارج” الفعل والفاعلية، فلم يعد له أي دور بتقرير “مستقبله”، وهو “موضوع” للنقاش لا طرفا فيه، وبالتالي فإن أمامنا ثلاث قوى اقليمية جرى تنصيبها لتقاسم “النفوذ” في المنطقة على حسابنا – بالطبع -، وهي: اسرائيل وايران وتركيا، ومن شأن كل ما يطرح اليوم من “مبادرات” سواء لتسوية الصراع في فلسطين أو في سوريا، او حتى في مصر، ان “يتكيف” مع المعادلات – السياسية الجديدة التي تجرى على “وقع” العنف والتطرد، ما يعني بالضرورة ان النتيجة ستصب في مصالح القوى الثلاث، وان “نصيبنا” سيكون هو الخسارة فقط.
الحقيقة الثالثة هي أن بلادنا المحاصرة، سياسياً بضجيج الهواجس حول “تقاسم” الأدوار والنفوذ والمصالح، واجتماعياً واقتصاديا بأزمات الديمغرافيا وخرائطها الجديدة، وبالعجز المالي والاقتصادي واستراتيجيا بالعنف والتطرف العابر للحدود، تبدو امام مشهد خطر يمكن ان تكون “جزءاً” منه، او – على الأقل – أن تتأثر به، فعلى حدودنا مثلا ثمة “دول” جديدة مرشحة للظهور، والحاكم الفعلي لها هو “العنف”، وثمة قوى متطرفة تخرج وتتدرب على القتال ويمكن أن تعود أو تغيّر ساحات عملياتها، وثمة إحساس عام بأن “التسوية” القادمة في فلسطين ستكون على حسابنا، وثمة صالة من “السكون” المغشوش في المجتمع والشارع، وهنالك أيضا مخاوف من “تقمص” الأدوار التي “يلعبها” الآخرون وامتدادها الى بلدنا أو تورطنا فيها.. وكل تلك المخاوف والمؤشرات تجعلنا فعلا في “صميم” الخطر، وعين العاصفة.
حتى الآن، ما نزال نبحث عن “موطئ” قدم لنا في حقول الألغام حولنا، وما نزال نحاول “الوقوف” على ارضية تحيط بها الزلازل من كل اتجاه، لكن لا بد من ان نتجاوز هذه الحالة “المؤقتة” التي تضع رجلا في “اللهب” وأخرى خارجه، وأمامنا طريقان: أحدهما – وهو الأهم – تطوير العملية السياسية ودفع الجميع للمشاركة فيها وذلك من اجل “تحصين” الداخل وتهيئته لمواجهة اية مستجدات قادمة، وبالتالي فإن “إحياء” عملية الإصلاح وإعادة الحيوية للمجمع وتفريغ الشارع من “شحنات” الخوف والغضب والإحساس بالظلم يبدو خيارا اضطراريا لا يجوز ان نتأخر فيه، أمّا الطريق الآخر فهو طريق “تنويع” الخيارات السياسية، بحيث نتحرر من “قيود” التحالفات الضيقة والضغوط الطارئة ونفتح أمامنا أبواب “المناورة” السياسية تبعا للمعادلات الجديدة في المنطقة والعالم، والمتغيرات التي انشأت واقعاً سياسياً لا يمكن أن نكون لاعبا فيه إلا إذا “غيّرنا” ادواتنا واستراتيجيتنا القائمة.