إعلان الحرب على تركيا!
كثيرون يسألون عما يجري في تركيا، ويهب المحللون والكتاب مذاهب شتى في هذا الأمر، والحقيقة أن الصورة لا يمكن ان تتضح للمراقب إلا إذا نظر إليها من مختلف الأطراف، خاصة وفق ما يراها أهلها، لأن اهل مكة ادرى بشعابها!
ولكن قبل ان نعرف آراء أهل مكة، دعونا نجمل الحدث بكلمات بسيطة، تختصر الصورة الإجمالية لما يحدث الآن في تركيا، وسأستعير هنا بضع كلمات للكاتب هشام الكحيلي حين قال، في معرض ما يشاع عن «تنافس بين جماعة فتح الله غولن وجماعة اردوغان على السلطة ان جاز التعبير:: ثمة تساؤلات كثيرة حول الأسباب التي تدفع جماعة فتح الله غولن «الإسلامية» إلى التصادم مع حكومة أردوغان، وهو ما يمكن التخمين فيه بأن الجماعة لم تختر المواجهة مع أردوغان، وإنما من اختار المواجهة، ودفع بالجماعة لتكون واجهة، هي قوى داخلية وخارجية لا تقبل بالدور الإقليمي الذي تقوم به تركيا، ولا تريد السماح لتركيا بالمضي في طريقها الحالي، وهو ما أشار إليه أردوغان في خطاباته الأخيرة، وعبر تاريخها، ومنذ الستينات، كانت الجماعة منحازة دائما للانقلابيين، وبينما يدعو فتح الله كولن اليوم أنصاره لبذل كل السبل لمنع الحكومة من إغلاق مراكز التدريس الخاصة بالجماعة، فقد كان عرض على انقلابيين سابقا أن يسلم المراكز طواعية للدولة، ووضع يده في يدي من منعوا الحجاب وحاربوا الإسلام، وكما رضخت الجماعة للانقلابيين في السابق فإنها ترضخ اليوم وتتقدم لتقود حربا لا مصلحة لها فيها!
أما اهل مكة، فقد جمع معظم كتابها على أن ما جرى في تركيا أخيرا عملية مدبرة بإحكام تقف خلفها قوى أجنبية تستهدف زعزعة الاستقرار الذي تشهده تركيا، في الوقت الذي وصف فيه بعض الكتاب الأحداث الأخيرة، بالمحاولة الحقيقة لتنفيذ انقلاب بغية الإطاحة بالحكومة، وهو تعبير دقيق جدا، ويناقض المفهوم السائد القائل أن ثمة صراعا على السلطة بين رجلين، فالأمر يتعدى هذه النظرة الضيقة وصولا إلى ما هو ابعد!
إبراهيم قره غل رئيس تحرير صحيفة «يني شفق»، قال أمس أن العملية لم تستهدف الحكومة التركية فحسب، بل هي بمثابة إعلان حرب على البلاد، والشعب بدأ يرى اتساع رقعة اللعبة وبقية عناصرها، التي تحاول استغلال عناصر الضمير والقيم الاجتماعية لتكون بمثابة التفاف على الحقيقة، لتحقيق مشاريع أخرى، خاصة وأن تاريخ السياسة التركية يزخر بأمثلة متنوعة للانقلابات التي تهدف الاطاحة بالحكومات الشرعية. أما مصطفى قره علي أوغلو، فقال أن أردوغان تعرض لمحاولات إقصاء عديدة، حتى قبل أن يصل إلى السلطة، وأن هدف الواقفين خلف المحاولات الرامية لتحقيق انقلاب على الحكومة، هو إقصاء أردوغان عن الحكم بأي ثمن كان، إلا أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية تمكنوا دائماً من المحافظة على زمام المبادرة وإجهاض المحاولات التي دأب الانقلابيون، ومن يقفون خلفهم، على إفتعالها، أما عبد الرحمن ديليباك، رئيس تحرير صحيفة «وقت»، فقال أن جهات لا يروق لها التقدم الاقتصادي والاستقرار الذي حققته حكومة حزب العدالة والتنمية، هي التي تقف خلف تلك العملية، في حين تطرق الكاتب التركي «أردن زنتورك» إلى قضية انزعاج القوى العالمية من القيود التي بدأت تتكسر والإرادات الوطنية لدول منطقة الشرق الأوسط التي بدأت تتحرر، وإن التطورات التي تشهدها المنطقة لا تستهدف تركيا وحدها، إنما تركيا هي المدخل لتقويض دعائم بقية الشعوب، ليس إسرائيل المنزعج الوحيد من نمو الديمقراطيات الناشئة في المنطقة، بل هناك ضمن المعادلة أيضاً اللوبيات الغربية التي تقف بوجه تحقيق الشعب السوري حلمه بإنشاء دولة ديمقراطية تكفل العيش الكريم لجميع مواطنيها دون أي إقصاء! وللحديث بقية!