تجربة الاسلام السياسي: خدمت الدين أم أضـرت به؟
لا ادري اذا كان “اقحام” الاسلام في مشهدنا السياسي العام قد افاد الدين وخدمه ام انه سحب من رصيده ودفع المؤمنين به الى الاستقالة من العمل العام، و”الكفر” بالسياسة والفاعلين فيها.. وبمآلاتها ايضاً.
لا يوجد لدينا ما يلزم من دراسات واستطلاعات حول “الحالة” الحالة الدينية في بلداننا العربية لا سيما التي شهدت صعود “الاسلام السياسي” او وصوله الى الحكم، لكن ثمة مؤشرات وانطباعات يمكن الاستناد اليها لفهم تحولات “التدين” في مجتمعاتنا وعلاقتها بتجارب “الاسلاميين” في العمل السياسي.
خذ الجزاء، مثلا، فقد حظيت حركة المجتمع الاسلامي “حماس” في بداية اشهارها بزخم شعبي كبير، خاصة بعد ان تبنت خطاب (الاعتدال) اثر خروج الجزائر من العشرية الدموية، لكن ما ان انخرطت في العمل السياسي وشاركت في البرلمان والحكومات حتى بدأت شعبيتها تتراجع، والانقسامات داخلها تتزايد (تعرضت لخمسة انشقاقات) الامر الذي انعكس على مؤيديها والمتعاطفين معها، كما انعكس ايضا على الآمال التي علقها الشارع على التيارات الاسلامية سواء تلك التي انتهجت العنف او الاخرى التي انحازت للمشاركة في السياسة.
تجربة اخواننا في السودان ايضا، كانت – ايضا – نموذجا لعجز الاسلام السياسي عن خدمة “الدين” حين يدخل في المجال العام، فقد انفرط عقد التحالف بين الترابي والبشير مبكراً، فيما لم تستطع “ثورة” الانقاذ ان تجذب التيار الاسلامي الى صفها، الامر الذي انعكس ايضا على المجتمع الذي ادركه “الاحباط” من امكانية الاسلاميين على تقديم نموذج “جيد” للحكم، او على “خدمة” الدين الذي اختزل في التجربة السودانية “بالشريعة” ولم يخرج الى اطار “الاسلام” كقيم موحدة لهوية المجتمع وموجهة لطموحاته وملبية لحاجياته.
يمكن تعميم نموذج “الاسلام السياسي” الذي تسبب في انسحاب المجتمع من التعويل على الديمقراطية، او من التعاطف مع فكرة دخول الدين الى “المجال العام” والسياسة والحكم، على كثير من التجارب العربية، سواء في ليبيا أو اليمن أو العراق أو غيرها.
كما يمكن “تقويم” تجربة الاخوان المسلمين في بلدنا (الاردن) وحجم الخدمة التي قدموها سواء حين شاركوا في الحياة العامة او حين قاطعوها، للدين وللمشروع الذي طرحوه لقبولهم شعبياً، واعتقد هنا ان اختزال العمل السياسي في الاطار السياسي، وتعطيل مجالات الدين الاخرى كالجانب الاجتماعي والاقتصادي والفكري والاعلامي، اضر “بالاسلاميين” كما أضر ايضا بصورة الدين الذي طرحوها “كإطار” للحل، تحت شعار “الاسلام هو الحل”.
الآن، يمكن للاسلاميين ان يفكروا خارج “صندوق” السياسة، وان يبدأوا بمراجعة التجربة بعيداً عن لغة “العواطف” التي اتسم بها الحراك الاسلامي منذ نشأته، ذلك ان خطر “الاصرار” على الاستمرار في هذا الاتجاه تحت ذريعة “مواجهة” المؤامرة الخارجية، او بتحميل الآخرين خطأ افشالهم او حتى بدعوى “الصناديق” التي كشفت عن انحياز اغلبية الناس لهم، خطر هذا الاصرار لا يتحمله الاسلاميون على حسابهم فقط، وانما يتحمله “الدين” الذي تسببوا في نفور الناس منه، او في عدم ثقتهم بصلاحيته للعمل في الشأن العام، او ادارة الحكم والدولة.
غير صحيح، بالتأكيد، ان الاسلام كدين، يمكن ان يتحرك بعيداً عن التدخل في الحياة والسياسة، لكن السؤال: هل احوال مجتمعاتنا اليوم نضجت بما يكفي “لاستقبال” الاسلام السياسي والترحيب به، وهل تجربة الاسلاميين في المجال السياسي واولوياتهم في العمل خدمت “الدين” وشجعت المؤمنين عليه على الانخراط والمشاركة في العمل العام وفي السياسة، وهل ساهمت ايضا في دفع المجتمعات نحو القيم الاصيلة مثل الاعتدال والسماحة؟ أم انها افرزت حالة من “الشك” بالاداء الاسلامي وانتجت تياراً جديداً ينحاز الى العنف والتطرف ويكفر “بالديمقراطية” كلها؟.
اذا كانت الاجابة كما اتصورها هي ان تجربة “السياسة” لدى الاسلاميين صبت في اتجاه اضر بحالة “التدين” واحبط المراهنين على المشروع الاسلامي.. فما هو الحل؟ وكيف يمكن للاسلاميين ان يرتبوا اولوياتهم في المرحلة القادمة؟ هذا ما يحتاج الى مزيد من النقاش.