صدور كتاب ، انا طفل ، للروائي سناء ابو شرار
وكالة الناس – تيسير النجار – صدر حديثا للروائي سناء ابو شرار كتابها “انا طفل ” عن دار الهلال المصرية يقع في مئة صفحة من القطع المتوسط وابتكرت الكاتبة اسلوبا جديدا من خلال تقطيع الكتاب وفي كل فصل تطرح قضية يتم طرحها على لسان طفل ومن ابواب تلك القصص والحكايا تقطر الموعظة الحسنة والحكمة وشموخ الكلمة .
الكتاب يتناول معاناة الطفل من نواحٍ متعددة ، منها الوحدة والتشتت الأسري والعنف والقسوة والإهمال , ويشتمل على 53 حالة يتحدث كل طفل فيها عن معاناته .
وحول الكتاب قالت الكاتبة: في عالمنا المعاصر يغرق الطفل في عالم إلكتروني متعدد الأبعاد ، ينزوي أمام شاشته ويعتقد الأهل بأنه يمارس حياة طبيعية علماً بأنه ينسحب من الحياة الطبيعية خصوصاً حين تمتد فترة ملازمته للشاشات الإلكترونية لساعات متواصلة , وان هذا الواقع الحديث فرض مشكلات جديدة على المجتمع العربي بل والعالمي أيضاً من تقلص مساحة الحوار ، وتقلص دور الأسرة .
يأخذك كتاب أنا طفل لعوالمك الذاتية ويشحنك بعالم يشكل الاقتراب منه والولوج فيه سعادة لكل صاحب قلب سليم وعقل راحج وبأسلوب بسيط وعميق في الوقت نفسه ويكشف هذا الاسلوب عمق الكاتبة ودرايتها الشديدة في عالم الكتابة التي تشكل بالمقام الاول مسؤولية ضخمة تجاه الذات اولا وتجاه المجتمع الذي يحتاج بالفعل لمثل هذه الاصدارات حتى يغدو اكثر نقاءً وشفافية ووهجاً .
وتاليا حوار مع الروائية حوله :
• تتوجهين في كتابك أنا طفل لمخاطبة ضمير المتكلم وهل هذه دلاله مهمة ، فما الرسالة التي تريدين إيصالها ؟
ـ أجل ، لقد أخترت ضمير المتكلم لأنني لم أرغب أن يتحدث عن الطفل شخص بالغ ، لأننا في مجتمعنا العربي نتجاهل صوت الطفل بضمير المتكلم فالأهل والمدرسة والمجتمع بأكمله يتحدثون باسمه وهو يقف يستمع وينظر بل لقد أصبح من الصعب على الطفل العربي أن يعبر عن نفسه لشدة تجاهل الذات لديه، حتى أن البرامج التلفزيونية العربية والمجلات والكتابات تتحدث عن الطفل وأحياناً يتحدث الطفل عن نفسه وإن تحدث عن نفسه فنجعله يتحدث عن ألعابه وما يُسليه وما يحب أو لا يحب ؛ حتى أننا نتخيل حين نشاهد البرامج العربية والإنتاج الأدبي العربي أن الطفل العربي ليس لديه أي مشاكل . لذلك أخترت الحديث بلسان الطفل ، وأخترت أن أتحدث عن معاناته لا عن طفولته الجميلة . الرسالة التي أردت إيصالها أو بالأحرى ما دفعني لكتابة هذا الكتاب هو عمق معاناة الطفل لأنها تمتزج بالضعف والتجاهل بذات الوقت ، وهو انسان ضعيف يحتاج لمن حوله حتى ولو كانوا السبب الأول لمعاناته ، أي أن معاناة الطفل أشد وطأة من معاناة البالغ الذي قد يجد مخارج أو حتى وسائل للتخفيف من معاناته ، بينما الطفل يرزح فعلاً تحت وطأة معاناته ، وهذه المعاناة لا تستمر فقط خلال الطفوله ثم تنتهي بل تحفر كل ندوبها وذكرياتها في نفس الطفل حين يصبح بالغ ، و لا يجب أن نتسائل لماذا تحدث الصراعات والشقاقات والأحقاد والأمراض النفسية في بيوتنا العربية ونحن نمارس ضغوطات عميقة على روح وعقل ونفس الطفل ، إن فترة الطفولة تبدو قصيرة مقارنة بمجمل حياة الانسان ولكنها الجذور لما سوف يكون عليه الانسان في المستقبل.
• ثقافياً كيف تجدين حال الطفل العربي؟
ـ لا أجد مكانا للطفل العربي ثقافياً ، فهو طفل تدور حياته بين المدرسة والواجبات ، التلفاز ، الكبيوتر ، الألعاب الإلكترونية والموبايل ، وأتت الوسائل التكنولوجية لتفاقم من حجم الإنحسار الثقافي لدى الطفل ، الطفل غير مسؤول عن ذلك لأنه لا يجد أساساً جو ثقافي في بيته ، فالأم تتابع الفيس بوك والأب يتابع المواقع الإلكترونية وجميعهم يعيشون في عالم تكنولوجي ، يعتقدون أنهم يعيشون معاً ولكن وبكل الحقيقة المؤلمة يعيش كل منهم خلف شاشته الصغيرة أو الكبيرة. الثقافة تعني القراءة ، التخاطب ، التحاور ، تطوير المهارات ، توسيع المدارك ، تطوير مهارة الفهم والتفكير والتفكر ، عدم الإكتفاء بمناهج دراسية تركز على الحفظ دون التفاعل الذهني والنفسي فأين الطفل العربي من كل هذه المفاهيم؟ بإستثناء شريحة ما من المجتمع لا تزال تتمسك بثقافة وتوعية ابنائها ، والثقافة ليست تدريس العلوم الدينية فقط بل تشتمل على أفكار ومفاهيم عالمية وعربية محلية ودولية . لقد بدأ ينشأ لدينا جيل يجد صعوبة بالتعبير عن نفسه ، ينقصه الشعور للتعبير وللتواصل ، يبدو متبلد الشعور ولكنه فعلياً لا يستطيع التعبير ، جيل يجد صعوبة بفهم وحفظ المعلومات العلمية وما يثبت ذلك هو أن تضطر وزارة التربية والتعليم لتشكيل لجان لمعرفة سبب تأخر أولاد الصفوف من الأول حتى الثالث الإبتدائي في اللغة العربية والحساب. هؤلاء لن يبقوا أطفال ، سوف يصبحوا رجال ونساء ، فأي قدرات عقلية سيقدموا لمجتمعهم ، أي مشاعر سيمنحوا لعائلاتهم؟
• و ما السبيل لمعالجة ذلك ؟ لماذا يقل الإهتمام بعقل الطفل؟
ـ ربما يبدو السبيل لمعالجة ذلك صعب ، لأننا أمام تحدي يُسمى إدمان الشاشات الإلكترونية ، وهو تحدي لا تعترف به كثير من العائلات ، بل إن بعض الأمهات والآباء وجدوا بهذه الشاشات وسيلة للتخلص من إزعاج أو طلبات أولادهم ، فالجميع يعيش حياته كما يشاء ، وحين تظهر النتائج يكون ذلك بعد فوات الآوان ، فيكفي قراءة الأبحاث العلمية الغربية لمعرفة تأثير كل هذه الأجهزة بشكل خاص على أدمغة الأطفال . والحل صعب من ناحية أخرى لأن دور الأم في المجتمع العربي تغير أيضاً ، فهي لم تعد الأم المتفانية والمضحية ، بل ترى أن لها الحق بإتخاذ قرارت جريئة وأن ترفض ما لا تريد وتفرض ما تريد ، هذا ليس بداعي الإنتقاص من حقوق المرأة ، ولكنني انسانه أعتبر أن أسمى وأرقي دور للمرأة هو أمومتها ، ولا أزال أؤمن بالتضحية لأجل الأولاد ؛ لذلك قد يكون أحياناً ممارسة المرأة لحقوقها ينقص من حقوق طفلها بحياة آمنة مستقرة بأسرة متماسكة رغم كل الخلافات.
لا يقل الإهتمام بعقل الطفل ، فتوجد محطات فضائية ، وكتب ومجلات وبرامج تهتم به ، ولكننا وللأسف نهتم بما هو سطحي و لايمت بصلة ببناء شخصية وعقل الطفل العربي ، الطفل العربي مُغيب عن ثقافته ، عن تراثه ، عن قيم مجتمعه إلا ببعض العائلات الريفية أو البدوية أو التقليدية والتي أدركت وبالفطرة أهمية عقل الطفل ، فتبث به ومنذ نعومة أظافره منظومة نفسية وأخلاقية وتربوية تبدو أفضل من تدريس مدارس على مستوى راقي من التعليم ، المشكلة لم تعد في التعليم ولا المعلومات بل ببناء شخصية قوية واثقة من ذاتها ، تُحسن التعيبر عن نفسها ، تدرك هدفها حتى ولو كان طفلاً،
ولا يمكن ذلك دون تواصل وطيد بين الأجيال ، ودون إحترام عميق لتقاليد المجتمع ودون تأسيس متين بأسرة متماسكة لرجل وامرأة الغد . لن يدرك الطفل أهميته وحجمه في الحياة دون شخص بالغ يقول له ذلك ويقدم له الإحترام والتقدير حتى ولو كان صغير السن؛ ألم يطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من رجلٍ عجوز ألا يأخذ مكان طفل كان يجلس بجانبه إلا إذا وافق الطفل على ذلك ، لقد كان ذلك موقف واضح لإحترام عقل وتفكير الطفل.
لقد أصبحت حياة أطفالنا تتأرجح بين العقوبة والمكافأة ، حتى النجاح تتم مكافأته لأجله علماً أنه واجب عليه ، نعاقب الطفل إن لم يحصل على معدل ما ولا نعاقبه لسلوكيات ستكون خطر عليه وعلى المجتمع حين يكبر؛ لابد أن ندرك أن الطفل منظومة انسان كامل ، وان صغر حجمه لا يمنحنا الذريعة بأن نتصرف معه بعشوائية وتجاهل وأنانية.
*في كتابك عالجت الكثير من القضايا المتعلقة بحياة الطفل ، هل تقترحين على وزارة التربية والتعليم تبني الكتاب؟
ـ لا أسمح لنفسي بأن أقترح ذلك ، لقد كتبت هذا الكتاب بما يُمليه عليّ ضميري الأدبي والانساني . وزارة التربية والتعليم بمصر قامت بتوزيع نسخ من كتابي في المدارس في مصر دون أن أطلب ذلك ، فأنا حين أكتب أكتب لأسباب انسانية ولا أبحث عن مردود مادي أو معنوي ، لأن الكلمة أمانة . ولكنني أتمنى أن يحوز هذا الكتاب على الإهتمام لأنني وصفت به مشاعر طفل حزين أو وحيد أو يتألم وأن ندرك جميعاً بأننا مسؤولين عن معاناة أي طفل حتى ولو لم يكن ابن أو أخ أو قريب.
• إلى أي مدى تجدين أن الطفل العربي مظلوم؟
ـ جميع تناقضات العالم العربي تنصب أيضاً في عالم الطفولة. الطفل العربي مظلوم حين يكون فقير ، مشرد أو يتيم ، ولكن هناك نوع من الظلم أشد فتكاً ، لأن اليتيم أو الفقير أو المشرد قد يجد من يرعاه ويُشفق عليه بدافع ديني أو انساني ، ولكن أشد أنواع الظلم هو ما يقع ممن نحب ، ويقع في بيوت تمتلك كل الموارد المالية ، تقدم لأطفالها كل ما يحتاجون من مال وطعام وملبس ولكنهم يتركونهم بالساعات في البيوت دون رعاية ودون إهتمام مع الأجهزة الإلكترونية أو مع الخادمات أو المصطلح الأكثر انسانية ” مربيات” ؛ تعتقد المرأة بأنها حين تعمل لساعات خارج منزلها سوف تحقق ذاتها وطموحها وتترك ابنها وحيداً في بيتٍ فخم فارغ وبارد المشاعر ، والأب يعتقد أنه حين يراكم ثروته سوف يقدم أفضل ما لديه ، المال نعمة والثراء قوة ولكن ليس على حساب قلوب رقيقة مرهفه تنتظر المحبة قبل المال .
وهناك جانب آخر لظلم الطفل العربي ، وهو التجاهل المُزمن والمستمر لشخصيته وتفكيره ، حتى في الأفلام والبرامج وأدب الطفل ، لا توجد شخصية متفردة للطفل العربي ، بل يبدو أن البالغ يتربع على أدب الطفل سواء في السينما أو الأدب ، حتى أننا في الدول العربية نعجز لغاية الآن عن إنتاج فيلم من أفكار وبطولة الأطفال بشخصيات وأفكار متجددة ومتنوعة.
فيبدو الطفل العربي دائماً وكأنه يعيش في الظل ، ولكنه يبدو ساطعاً في الدعايات التجارية والإستهلاكية ، لأنه مادة هامة للتجارة والصناعة كذلك.
لابد لنا من إعادة تشكيل مفاهيمنا تجاه الطفل ، لابد لنا من إعادة الإعتبار والإحترام لشخصيته وتفكيره وأن نتوقف عن شتمه وضربه وتحقيره حين يُخطيء ، كأننا نرفض طفولته ، ونقبلها فيما يتعلق بإفتخارنا بنجاحه أو بممارسته لهواية ما . إن لم نمنح الطفل إعتباره وإحترامه فلماذا نوبخه ونلومه حين يكبر ولا يشعر بالإحترام والتقدير تجاه ذاته وحين يشعر بأنه أقل من أن يكون شخص محترم . وأخيراً ، لم يمنحنا الله تعالى الأطفال كي يكونوا أداة نمارس بها الكره أو حتى الحب ، فهم كيان مستقل عنا لابد أن يكون له حيز من التفكير والإبداع بل ومن الإنتقاد لنا . ومن أشد الظلم كذلك أن يتحول الطفل لأداه للإنتقام وأداه لتبرير الأخطاء فتتحول الأمومة والأبوة إلى جريمة لا نهاية لفصولها