محاكمة «زمزم» … الحسابات والتوقيت
عدت جماعة الإخوان المسلمين “مبادرة” زمزم منذ المداولات الاولى لانطلاقها “حالة” تمرد داخلية، واعتمدت ثلاثة مسارات للتعامل معها، أحدها مسار “الاطفاء” من خلال التهوين من قيمتها وآثارها ومحاولة تطويقها واستمالة القائمين عليها، وثانيها مسار “الشيطنة” والتشويه وذلك لمحاصرتها داخل الجماعة ومنع امتداد “عدواها”، اما المسار الثالث فهو “محاكمة” ابرز القائمين عليها كوجبة اولى لتخويف الاخرين من مواصلة الانخراط فيها او الانضمام اليها.
اعلان المحاكمة جاء بعد مرور عام على انطلاق فكرة زمزم وكان ثمة سببان وراء ذلك: احدهما يتعلق بحسابات “سياسية” داخل الجماعة سواء من جهة محاولة الحفاظ على وحدة الحركة او من جهة تفويت الفرصة على “خصومها” السياسيين لتوظيف “الانشقاق” ضدها، او من اعتبارات اخرى تتعلق “بهوية” زمزم ومكوناتها على صعيد الاشخاص المنتسبين اليها، والافكار التي تطرحها، اما السبب الاخر فيتعلق بحسابات سياسية “خارجية” سواء من جهة التحولات التي طرأت على “موقع” الاسلاميين في الخرائط الجديدة “مصر تحديدا” او من جهة برودة العلاقات الاردنية مع حماس، إذْ لم يكن من المناسب اجراء المحاكمات في ظل مناخات دافئة بين الطرفين؛ ما قد يؤثر سلبا على هذه العلاقة.
لا تشكل –بالطبع- مبادرة زمزم “تهديدا” مباشرا لمكانة الجماعة وحضورها، ولكن ثمة ثلاثة اسباب تدفع الإخوان الى “التخويف” منها، اولها، هو ان المبادرة تحمل في جوهرها فكرة “التمرد” والانشقاق وبالتالي فان الصمت عليها وعدم محاكمة القائمين عليها سيكرس هذه الفكرة وسيشجع الاخرين على تكرارها بصفتها “سابقة” نجحت في الاستقواء على الجماعة، والسبب الثاني، هو ان القائمين على “المبادرة” يحظون بمواقع “معتبرة” داخل الحركة، سواء لاعتبارات فكرية وسياسية او لاعتبارات “القوة” والنفوذ لا سيما اذا ما تذكرنا بان احدهم هو رئيس جمعية المركز الاسلامي التي تشكل “عصب” الجماعة المالي والاجتماعي، والاخر هو رئيس جمعية المحافظة على القرآن الكريم التي تعدّ “اهم” المراكز الدعوية للجماعة، اما السبب الثالث، فهو تخوف الجماعة من امكانية تحول “زمزم” المدعومة رسميا الى “بديل” عن الجماعة خاصة اذا ما استطاعت ان “تجمع” التيار الاسلامي في اطار واحد، وان تنشىء تيارا جديدا يحمل “مشروعا” وطنيا ليس له ارتباطات مباشرة “باجندات” الاقليم التي تشكل بالنسبة للجماعة اولويات ضاغطة على قراراتها.
اذا دققنا في هذه المخاوف التي تدور داخل الجماعة وتدفعها الى محاكمة قيادات “زمزم” الثلاثة، سنكتشف بان “المحاكمة” ان حصلت ستصب في مصلحة “زمزم” وستضيف الى هذه المخاوف “دافعا” اخرا قد يسهم في “اضعاف” الجماعة وفي تشجيع “الاخرين” من داخل الحركة ومن خارجها على “التعاطف” مع المبادرة او الانضمام اليها وبالتالي فان المحاكمة ستمنح المبادرة شرعية الانشقاق اولا، وثانيا ما تحتاجه من “زخم” لتأكيد فكرة “ضيق الاطار الفكري والسياسي للجماعة وعدم قدرتها على استيعاب “ابنائها” فكيف يمكن ان تستوعب الاخرين المختلفين معها؟، حتى وان كانت حجة الجماعة للمحاكمة تعتمد المسألة “التنظيمية” وليس الاختلاف الفكري والسياسي اذ يصعب تصديق هذه “الحجة” نظرا لأسباب عديدة تتعلق بتجارب الجماعة مع الاخرين الذين اختلفوا معها وخرجوا عنها او يعجز الجماعة عن ادراك طبيعة التحولات المحيطة التي يفترض ان تدفعها الى مراجعة مواقفها ومناهجها او حتى بعدم ادراك الجماعة “لتوقيت” خروج المبادرة وهوية القائمين عليها، والعوامل التي تقف وراء انطلاقها ليس من اجل زعزعة “كيان” الجماعة وانما من اجل ان تكون بديلا عنها.
ومع انني ادرك تماما ان “بقاء” زمزم في منطقة “الاعراف” بين مجال “الجماعة” التي ما تزال تضع فيها “قدمها” وبين مجال “المجتمع” الذي تقدمت اليه وحظيت بالدعم الرسمي لكي تؤثر فيه لن يستمر طويلا لان مكانها “الطبيعي” هو التموضع في “اطار” تنظيمي مستقل” ولان مسألة “الانشقاق” لم تكن اكثر من مسألة وقت سيمنحهم “فرصة” الخروج من المنطقة “الرمادية” كما سيضيف للمبادرة مجالا اوسع للحركة والتمدد فيما سيحرم الجماعة فرصة “المراجعة” المطلوبة وحالة “التوحد” الضرورية، وفكرة “احترام” التنوع والاختلاف والاستيعاب التي تشكل “اسباب” لاتهامها بأنها لم تتأقلم بعد مع متطلبات المرحلة وضروراتها.