حين يقوم طالب في كلية الطب او طب الأسنان برفع هذا الشعار في اعتصام، فهو عمل مبني على اختصاص الى حد بعيد، والأمر عينه بل أكثر انسجاما لو قام طلاب المختبرات الطبية برفعه..
لكن لماذا رفعوه؟
قبل عام؛ كتبنا في هذه الزاوية أهم المقالات التي كتبت في الصحافة الأردنية وغيرها، عن التعديلات «العبثية» التي طرأت على أنظمة القبول في بعض الجامعات الأردنية، لا سيما الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا، وقلنا كثيرا عن السنة التحضيرية الأولى لكليتي الطب فيهما، والتي انتهجتها الجامعتان، لاستقبال الطلبة الجدد من خريجي الثانوية العامة في العام الدراسي الماضي، والذين تؤهلهم معدلاتهم للقبول في كليات الطب، وحذرنا جدا من مغبة الاقبال على هذه الخطوة مادامت الرقابة والمساءلة مغيبتين عن الجامعات عموما، حيث غياب الرقابة والشفافية واستشراء المحسوبية والشللية والمزاجية والتدخلات العجيبة الغريبة، ستقدم لنا أطباء «غير شكل» من هاتين الكليتين اللتين نعتز بهما وبخريجيهما على امتداد عمرهما..
القصة التي حذرنا منها حين نبتعد عن التنافس على أساس معدل الثانوية العامة حدثت مع طلبة الجامعتين الذين انهوا متطلبات السنة التحضيرية بنجاح وغيره.. وقد استغل المستغلون فرصة تراجع مجلس التعليم العالي ووزيره عن المفهوم الأولاني للسنة التحضيرية، حيث تم اعتبار كل طلاب السنة التحضيرية هم طلاب سنة اولى في كليتي الطب البشري وطب الأسنان، أي أنهم تراجعوا عن فكرة أخذ حاجة الكليتين المذكورتين من طلبة السنة المذكورة، الذين حازوا على أعلى المعدلات بنجاح في كل المواد، ثم توزيع البقية على كليات أخرى حسب رغباتهم أو معدلاتهم، إذ جاء القرار الجديد ووهبهم إحدى الكليتين طب بشري أو طب أسنان، ومع هذا اختلف المختلفون، وتم تقديم طلبة الى الطب البشري و»تمييزهم» عن أقرانهم الذين حازوا على معدلات أعلى منهم في السنة التحضيرية، بل إن بعضهم لم ينجح في بعض مواد التحضيرية وحاز على معدل متدن جدا، بينما أقرانهم لم يحوزوا على المقعد، ويتم تخييرهم اليوم بأن يلتحقوا بالبرنامج الموازي في الجامعتين إن رغبوا بدراسة الطب البشري فيها !!.
كيف تتفق العبقريات عن مثل هذا الشكل من التمييز بين ابناء الأردنيين ..لا أعلم، وكيف تستشري المحسوبيات والواسطات وتعبث الأيادي في مثل هذه الصروح وعلى هذه الدرجة من الاختصاص المهم في العالم وفي المجتمع..أنا حقا لا أفهم، سوى أن أول المؤسسات التي يجب أن يكافح فيها الفساد وأن تلتزم بالشفافية والنزاهة والعدالة هي مؤسسات التعليم، وليست أية جهة قبلها، فالطالب حين يشعر بتمييز بينه وبين زميله، وحين يتم أخذ حقه ووهبه لآخر، فهو يتعلم منهاجا آخر في الحياة والاختصاص، وسوف يكون خريجا من نوع آخر، يجب أن لا يتساءل أي متساءل أبله حينها «ليش هذول بفكروا هيك بالبلد؟!»، فهو سؤال يتجاوز عن حقيقة المنهاج الأول الذي تعلمه هذا المواطن في جامعاتنا، منهاج التمييز وغياب العدالة!
التقيت قبل يومين بوزير التعليم العالي د. وليد المعاني، وأعتقد أن الرجل ورغم إلمامه وخبرته الطويلة في الدولة وفي الحياة وفي الاختصاص، فهو لن ينجح مع مثل هذه الادارات الجامعية، التي تستمرىء العبث بين المواطنين وتحرمهم من أهم وأبسط حقوقهم .
هؤلاء طلبة حازوا على مقاعد بالتنافس أو بغيره، ولم يسجلوا في أية جامعة على حساب برنامج تعليم موازي»حتى لو معهم ملايين»، فلماذا يصبحون بين يوم وليلة طلاب تعليم موازي ليتمكنوا من إتمام تعليمهم الذي شرعوا به نظاميا حسب القوانين والأنظمة؟.
متى تتقاعد بعض العقول العبقرية ولا نقول تتم محاسبتها على تقويض العدالة والنزاهة والكفاءة، فالتخريب يتم بلا حساب ولا حتى مساءلة، وكثيرا ما تمت مكافأة هؤلاء بدلا عن محاسبتهم.
ولا حول ولا قوة الا بالله.