0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

البحث عن بطل!!

بعد الحرب العالمية الثانية وبسبب الكوارث الانسانية التي خلفتها تلك الحرب حدث في الثقافة الاوروبية ردود افعال شديدة ضد مفهوم البطل أو الفرد في التاريخ، وفي المانيا بدأ التبشير بالبطل العادي الذي يتشكل من الجماعات، وهناك من رأوا ان ما يسمى البطل هو مجرد يافطة على الحدث..

خصوصاً هؤلاء الذين يعتقدون بالحتمية التاريخية، وفي الاتحاد السوفيتي كانت  ردود الفعل أشد عنفاً على المرحلة الستالينية، وتطرف البعض فطالبوا بتدمير كل المنشآت والمؤسسات التي شيدت في زمن ستالين ومنها السكك الحديدية.

لكن البشر على ما يبدو لا يستطيعون الحياة بدون البحث عن رموز وأبطال يجسدون احلامهم القومية واشواقهم التاريخية، فالشعب الذي لا يجد بطلاً يبحث عنه في المقابر ليستعيده من الماضي او يتخيله قادماً من المستقبل، وستبقى هذه الجدلية حول دور الفرد في التاريخ مستمرة، لكنها تنحسر أو تتمدد تبعاً للظروف، فالمجتمعات التي يصاب كبرياؤها بجرح بليغ هي الاحوج من سواها الى اختراع البطل، والعالم العربي عرف حالات من هذا النوع في العديد من مراحل تاريخه.

واذا كانت عبادة الفرد أو المبالغة في التعويل على دوره باعتباره مخلصاً أو سلفادورا كما في اللغة الاسبانية تلحق أذى بالغاً بالشعوب، فان حذف هذا الدور به تجاهل للواقع، وما نراه الآن سواء في موسكو أو القاهرة حول دور الفرد والحاجة الى بطل منقذ يكرس ما يقوله المؤرخون وعلماء النفس عن حاجة الشعوب الى رموز.

وما كتب عن تجربة مهاتير محمد هو مثال آخر على الاعتراف بدور الفرد، لكن الشعرة الدقيقة بين البطل والديكتاتور غالبا ما تسقط اذا تصاعد التعويل على الفرد الى الحد الذي يصاب معه الناس بالعمى عن اخطائه.

وهناك كوارث تسببت بها حماقات اقترفها افراد تحت شعار البطل، لهذا سارع من شيدوا التماثيل الى تحطيمها، وما يسمى في الادبيات الاوروبية «الناراتيف» أو السردية الوطنية، هو حاجة كل شعب الى جملة من الرموز والتصورات الموروثة عن الذات، فهي شحنة النشيد الوطني والسر في تقديس الرايات وما من شعب لا يملك مثل هذا التصور عن ذاته، حتى لو اضطر الى اختراع ما يتيح له ان يجسد آماله ويكون سبباً وجدانياً لائتلاف شرائحه وطبقاته في لحظة الخطر.

بعد أكثر من ستة عقود يعود العالم لاكتشاف ضرورة البطل والرموز، رغم انها كلفته كثيراً واعلن العصيان عليها لانها كما رأى بعض المؤرخين أفرزت نظماً باترياركية تنكر على شعوبها الحق في بلوغ سن الرشد الوطني والتاريخي.

واذا كان البطل ضرورة وجدانية وتاريخية، فان الحذر يجب أن يستمر من عملية توثينه، ونزع خصائصه البشرية، فهو يخطىء ككل عباد الله، وله ربيعه الذي يتألق فيه وكذلك خريفه الذي ينطفىء فيه!