تاء تأنيث أم تابوت؟
سواء سمّي تقريراً أو بحثاً استقصائيا أو حتى استفتاء فإن ما صدر عن مؤسسة طومسون رويترز عن أوضاع المرأة العربية يتطلب وقفة وتأملاً في تاء التأنيث العربية التي تحولت إلى تابوت، فالوأد يعاد إنتاجه ثقافيا في الألفية الثالثة، لكنه يأخذ أشكالا وتجليات مختلفة، وقد يكون الوأد الحديث أبشع من الوأد الجاهلي لأنه يدفن المرأة داخل جسدها ويستأصل إرادتها ويبقيها على قيد الحياة.
مصر التي كانت رائدة تحرير المرأة منذ قاسم أمين وهدى شعراوي أصبحت الآن في آخر القائمة العربية من حيث أوضاع النساء فحملت الرقم 22 وتصدرت القائمة وحملت الرقم واحد جزر القمر!!!
وحين كتب المفكر المصري د. جلال امين كتابه «ما الذي حدث للمصريين» لم يكن هذا التقرير قد صدر ليقول لنا ما الذي جرى لحفيدات هدى شعراوي؟ وما العوامل التي أدت الى حصار المرأة؟
فالتحرش مجرد مظهر من مظاهر الوأد الحديث لأنه يحول المرأة من إنسان الى مجرد شيء وتشييئ البشر كما يقول الفلاسفة أنكى من إعدامهم، لأنه يحرمهم من امتيازهم الآدمي.
لكن معرفة السبب أحياناً تبدد العجب، فكيف لا يتراجع دور المرأة وتشوه صورتها إذا كانت هناك أكثر من خمسين فتوى قد أعادتها إلى بيت الدمية، وبيت الدمية هو عنوان مسرحية شهيرة لهزيل ابسن عن الأنوثة المهدورة.
من تلك الفتاوى مثلاً ألا تقوم المرأة بأي فعل داخل منزلها في غياب زوجها حتى لو كان ذلك الفعل تشغيل جهاز تكييف، كيلا يعلم الجيران أنها وحدها في المنزل، ومنها أيضا تحريم ملامسة الموز والجزر وتحريم السباحة لأنها إذا جازفت بالدخول الى البحر تعتبر زانية، لأن البحر وفق هذا الفقه العجيب الملفّق والذي لا صلة له بالدين يعد ذكرا !
وكيف لنا أن نتصور أن الدين الذي أنقذ الأنثى من الوأد وكرّمها يعود من يسيئون فهمه ويشوهون شرائعه للوأد بصورة أكثر فظاعة!
قبل أكثر من أربعة عقود كان من أبرز أساتذتنا في الجامعة نساء منهن: د. لطيفة الزيات التي تعادل ألف ذكر في ثقافتها وموقفها السياسي ودورها في التنوير ومنهن د. سهير القلماوي التي تركت بصماتها على أكثر من جيل أكاديمي.
الآن وبعد كل ذلك الكدح من أجل تحرير المرأة تصبح مصر في آخر القائمة، ليس بالنسبة لأوروبا أو أمريكا أو كندا، بل بالنسبة للوطن العربي، وهذا بحد ذاته مؤشر كارثي على المجتمع برمته، لأن المرأة حيّ تأتمنه المجتمعات على المستقبل.
وليس تقرير مؤسسة طومسون رويترز يتيماً في هذا السياق، فمعظم تقارير التنمية البشرية ينذر العرب بالطرد من التاريخ إذا استمرت متوالية التجهيل والوأد وشل الإرادة.
ويكفي أن نتذكر نسب الأمية المتفاقمة في بلدان تعج بالجامعات والمعاهد، ومنها من احتفل بوداع آخر أمّي قبل عدة عقود..
فأي تقهقر هذا؟ وأية ساعة حمقاء هذه التي تدور عقاربها إلى الوراء؟!