الاخونة… والنهضنة.. بين الرغبات والوقائع
هل سعى الاسلاميون حقا “سواء في مصر او تونس او غيرهما” الى “اسلمة” الدولة؟ هذا السؤال طرحه برنامج “على الحياد” الذي يعده ويقدمه على شاشة التلفزيون التركي الاستاذ سامي القرعان “وهو بالمناسبة احد الادمغة الاردنية المهاجرة” وكان للضيفين من مصر وتونس وجهتا نظر مختلفتين فيم كان لي نصيب “التعليق” عليهما.
قلت ان “الاسلمة” هو العنوان الصحيح الذي تذهب اليه هذه الاتهامات، باعتبار ان لدينا تيارين احدهما يتبنى فكرة فصل الدين عن الحياة والسياسة، والاخر يعتقد ان “المرجعية” الاسلامية ضرورة اساسية لادارة الدولة وضبط حركة المجتمع، لكن هذا “العنوان” لم يستخدم في اطار الصراع الذي يدور الآن في عالمنا العربي حول السلطة، خوفا من الاصطدام بمشاعر المجتمع ذي الاغلبية الاسلامية، او من اجل الانفراد “بالفصيل” الاسلامي المقصود بالاتهام وعدم اثارة الفصائل الاخرى، ولذلك درج الاعلام على اختيار مصطلح “الاخونة” في مصر “والنهضة” في تونس، وهما مرادفان لمعنى الهيمنة والاستحواذ على السلطة.
قلت ايضا ان ثمة فرقا بين “اخونة” الدولة وبين “اخونة” المجتمع، الاول يستهدف احتلال المواقع والمناصب والسيطرة على ادارة السلطة والاخر يستهدف “تغيير” هوية المجتمع الثقافية والاجتماعية، وفيما لا توجد اشارات واضحة لا في مصر ولا في تونس على “قيام” الاسلاميين بالاستيلاء على المناصب العامة فانه لا يمكن ايضا لهم في مدة عام ان “يقولبوا” المجتمع خاصة وانهم امضوا عشرات السنوات في ميدان الدعوة ولم يتمكنوا من “اخونته” او القبض عليه، وبالتالي فان ما صدر من اتهامات لا تعدو ان تكون “صناعة” اعلامية، وهي تعبر عن احكام مسبقة على النوايا لا على الوقائع.
قلت ان اشاعة “الاخونة” واخواتها جاءت في سياق صراعين: احدهما صراع سياسي غابت عنه اخلاقيات العمل السياسي، والاخر صراع على هوية الدولة والمجتمع، ومع انه يمكن القبول –مبدئيا- بمشروعية الصراع الاول متى كان منضبطا على اسس ديمقراطية، فان الكلام عن الصراع الاخر يبدو “مفتعلا” نظرا لاعتبارات عديدة اهمها ان “الاسلام” العربي هو الهوية الجامعة للامة، وان تغيير هذه الهوية غير ممكن عمليا ولنا في تجربة “الفاطميين” في مصر افضل دليل.
حين ندقق ايضا في اهداف “الاتهامات” بالاسلمة او الاخونة نكتشف ان المقصود هو تشويه صورة الاخوان المسلمين في مصر وتيار النهضة في تونس واحداث شرخ بينهم وبين الاسلاميين الاخرين، وتعبئة المجتمع ضدهم بحجة ان “الاخونة” مرادفة “للاستبداد” هذا الذي نهض الناس لاسقاطه وبالتالي تبرير اخراجهم من السلطة والانقلاب عليهم.
هل حصلت “الاخونة” فعلا؟ اذا حاكمنا الوقائع على الارض سنلاحظ بان “الاسلاميين” لم يحكموا بالمعنى الحقيقي للكلمة، ففي مصر اداروا الدولة في ظروف معقدة مدى عام وفي تونس دخلوا في “ترويكا” ولم يمض عليهم الا عام ونصف، وهي مدة لا تكفي اصلا لاكتشاف خريطة الحكم، وسنلاحظ ايضا بان الدولة العميقة كانت حاضرة وبان النظام لم يسقط بالكامل كما ان “ماكينة” البيروقراطية قادرة على التهام الجميع، ولهذا فان كل ما فعله مرسي هو اختيار “5” وزراء محسوبين على الاخوان في حكومة قنديل “وهو من خارج الاخوان” التي ضمت 35 وزيرا، وتعيين نحو 5 محافظين من بين 20 محافظا “لم يمر التعيين بعد الاحتجاجات عليه” فيما لم يعين في قائمة 50 من رؤساء التحرير اي صحفي من الاخوان، اما في تونس فان “نظام” الترويكا حدد للاسلاميين حصصهم، فيما فتح المجتمع عيونه على كل اسم جديد، مما دفع الغنوشي الى الاعلان اكثر من مرة عن “الاسلام الذي يجمع والشريعة التي تفرق” وعن تنازل “النهضة” عن كثير من “النقاط” التي كانت يمكن ان يفهمها الخصوم السياسيين في اطار “نهضنة” الدولة سواء في الدستور والتشريعات او في ممارسات الحكم.
لا يخفى-بالطبع- على الطرف الاخر ان لدى الاسلاميين مشروعا “للاسلمة” وانهم وصلوا للحكم عبر “الصناديق” الديمقراطية، وان من حقهم ان يكونوا شركاء في ادارة الدولة بعد ان حرموا منها لعقود، كما ان حقهم في الوصول الى المجتمع من بوابة “الدعوة” وفي اطار الحرية التي انتزعها الناس مسألة مشروعة ومطلوبة ايضا، زد على ذلك انهم يتحركون في مجتمع “متدين” ومتشوق للاسلام، وبالتالي فان “الاسلمة” في هذا السياق تبدو منسجمة تماما مع الواقع، واقعهم وواقع المجتمع، لكنها بقيت بالنسبة للاسلاميين “حلما” مشروعا وامنيات ورغبات، ولم تتحول الى حقائق ووقائع على الارض.
من المفارقات هنا ان مصطلح “الاخونة” صار شعارا لمرحلة حكم فيها الاسلاميون فيما اختفت شعارات اخرى مثل “الدمقرطة” وحوربت شعارات اخرى مثل “الشرعية” وغابت “العسكرة” مما يعني ان اشهار “الاخونة” جاء في سياق “شيطنة” الخصوم السياسيين والاستقواء بالمجتمع عليهم، وتعبئة الاخر ضدهم، واعتقد هنا ان هذا “التوظيف” مقصود تماما وفي هذه المرحلة بالذات، لا من اجل “اخراج” الاسلاميين من السلطة وانما ايضا للقبض على “روح” الاسلام.. باعتبار ان الاسلاميين كفرع جزء من “الاسلام” الاصل، واذا كان لا يمكن المجاهرة باتهام “الاسلام” فان “شيطنة” الاسلاميين واتهامهم “بالاستحواذ” اسهل وايسر واجدى لابعاد الاصل والتخلص منه.