إيـــران عـلــى طـاولـــة «الكـبـــار»
لا أدري اذا ما كان اتفاق “جنيف” بين ايران والستة الكبار حول البرنامج النووي الإيراني سيفتح عيون عالمنا العربي على “الخرائط” السياسية الجديدة التي يجري الآن ترسيمها لتحديد مستقبل منطقتنا؟، ومع ان “الحال” لا تشير الى اية “صحوة” عربية تمكّن عواصمنا من التأثير بالاحداث، فليس أقل من أنْ نعرف ما يدور حولنا .. وأنْ نتنبه اليه ايضا.
في هذا الإطار، يمكن أنْ نشير الى ملاحظتين، اولاهما- ان جلوس “ايران” على طاولة “الكبار” يشكل اعلانا مباشرا عن “انضمامها” الى هذا النادي، وبالتالي فان صفقة “النووي” ليست اكثر من عنوان أو ترسيم لهذا الدخول، والملاحظة الثانية- ان الاتفاق الذي حصل، سبقه –حسب معلومات مؤكدة- جولات عديدة من المحادثات المباشرة بين واشنطن وطهران، وقد جرت على مستويات عالية خلال العام الماضي وبقيت سرًا لم يعلم بها أقرب أصدقاء أمريكا.
حين ندقق في الارضية التي خرجت منها “الصفقة” الكبرى، لا بد ان نلاحظ ما جرى من احداث على ضفاف منطقتنا، فقد انتهت “انفجارات” الربيع العربي الى “انسدادات” سياسية واضحة وعلى ايقاعها تم “تصميم” مخططات لاجهاض حركة التحرر التي بدأت ملامحها تلوح في الافق، ووفق هذه المخططات جرى التوافق على اخراج “مصر” من المعادلة الاقليمية، وعلى اضعاف التيار الاسلامي والقبض عليه لمنعه من الوصول للسلطة، كما جرى تدمير “الكيماوي” السوري وادامة الصراع في هذا البلد تمهيدا “لتقسيمه” او “تحييده” او الحاقه بالمشروع الذي تتضمنه “الصفقة” الكبرى بين ايران والغرب.
الدولتان اللتان حظيتا “بالجائزة” هنا، هما: ايران واسرائيل، فايران التي تمتلك نفوذا في اربع دول عربية على الاقل “سوريا والعراق واليمن ولبنان” يمكن ان تتمدد في المنطقة بشكل اوسع، وبالتالي فان هذا التمدد سيوظف سياسيا لتخويف الطرف السني وادامة الصراع المذهبي بما يخدم “الكبار” في اطباق يدهم على المنطقة وابتزازها، كما ان اسرائيل التي تقف “ظاهريا” ضد اتفاق النووي مع ايران ستكون مطلوبة لأي تحالف عربي قد ينشأ ضد التمدد الايراني، وبالتالي فان معادلة الصراع في المنطقة ستنقلب من “مواجهة” الاحتلال الى مواجهة ايران، وستكون القضية الفلسطينية مرشحة للعودة الى “الثلاجة” او للحل تبعا للرؤية الاسرائيلية التي عنوانها “يهودية” الدولة والغاء العودة وتقسيم القدس وتبادل الاراضي… الخ.
يلاحظ هنا ايضا ان تل ابيب خرجت بهدفين على الاقل مما جرى، أحدهما يتعلق باخراج مصر وسوريا من دائرة الصراع معها، سواء من خلال “الانقلاب” على الاسلاميين في مصر او تدمير الكيماوي في سوريا، او –بشكل عام- من خلال “اغراقهما” في صراعاتهما الداخلية، والهدف الآخر هو “استدعاء” ايران كطرف بديل عنها في لعبة الصراع بالمنطقة، خاصة بعد ان “انكفأت” انقرة وتقلص نفوذها بشكل واضح.
على ايقاع هذه الاحداث، يمكن ملاحظة “محاولات” تجري على صعيد بعض الدول العربية للقيام بدور “الصدّ” او “لخلط” الاوراق، او للحفاظ على بعض الامتيازات والمصالح لا سيما مع امريكا والغرب، لكن تظل هذه المحاولات مجرد “مناورات” غير مؤثرة، لا سيما مع غياب “العواصم” الكبرى المؤثرة عربيا، وبروز “عواصم” اخرى لها وزن سياسي متواضع؛ ما يدفع باتجاه مرحلة جديدة لا دور لنا كعرب لصناعة أو تحديد ملامحها، ولا بالتأثير فيها ايضا.
اذا دققنا جيدا في الخرائط التي يجري ترسيمها سنلاحظ أنّ ايران تتقدم وتركيا تنكفئ على نفسها، وإسرائيل تحصد المزيد من الجوائز والعرب يتصارعون ويتراجعون … كما سنلاحظ كذلك أنّ “الكبار” توافقوا على إعادة تقسيم مناطق نفوذهم في منطقتنا وأنهم مطمئنون تماما على أنّ “الفرصة” مواتية -تمامًا- للقبض على “الروح” العربية سواء تمثلت في “التحولات” الشعبية أم في صعود الإسلام السني للحكم، أم في بناء الدولة الديمقراطية؛ التي تعني -بالضرورة- التحرر من “الاستبداد” الوطني والأجنبي أيضا.