فلافل وفرح وخيانة!
كم أشعر بالغضب حينما أرى بعض الأعاجم في برامج الطبخ على التلفزيون وهم يتحدثون عن الفلافل والحمص (أو الهُمّس) باعتبارها أكلات شعبية إسرائيلية، ويبالغون في مدحها والاستمتاع بأكلها، كأنهم يأكلون تاريخي شخصيا!
هذا مقطع عرضي سريع لمشهد ممتد في حياتنا، نحن الذين نعد أعمارنا بعدد الحروب الخائبة التي خيضت بالنيابة عنا كشعب، مع إسرائيل، وكانت في كل مرة تنتهي بضياع جزء من أجسادنا، كأوطان وأرض ووجدان، إسرائيل في الحقيقة لم تسرق أرضنا وقرص الفلافل وثوب أمي المطرز فقط، ولا حتى شتائمنا، (بالمناسبة حينما يشتم اليهود يشتمون باللغة العربية!) ولم تسرق زيتوننا وزعترنا، لا ولا مبادئ آمنا بها، وضحى من أجلها أجدادنا وآباؤنا، فغيرتها وعلبتها واستوردها بنو جلدتنا وهي مكتوب عليها ( عندما تصبح الخيانة وجهة نظر) كما كتب أحد أصدقائي فيسوبوك، إسرائيل، لم تحتل أرضنا فحسب، بل احتلت وجداننا،
وسرقت أحلامنا، وقدرتنا على الحب والحياة، والاستمتاع بفنجان قهوة صباحي بلا قلق، ولهذا، واقول مع سبق الإصرار والعناد: تبدأ مقاومتنا لها بأن نحب ونعشق الحياة، ونستمتع بكل لحظة، وأن لا نستكثر على أنفسنا أن نفرح!
بنو إسرائيل اليوم، كما هم دائما، أحرص الناس على حياة، أي حياة، وفق التعبير القرآني، فهم يعيشون ويمرحون ويسرحون على أرضنا، ويمارسون كل مظاهر الحياة، مستمتعين بكل ما لنا، وبكل لحظة، فيما بنى كل منا في داخله «حائط مبكى» يدس بين حجارته أوراقا ضمنها أمانيه الباكية، فيما يمضي العمر، نحيبا وحسرة وانتظارا، فنحن لا هنا ولا هناك، ولا في أي مكان، كأننا نقيم في النصف الثالث، أو اللامكان!
حتى مع كل ما جرى لنا، جراء ما صنعت أيدينا، وما صُنع بنا، من الاحتلالات المتنوعة، فـ «على هذه الأرض ما يستحق الحياة» كما قال محمود درويش، وعليها ما يُستمتع به ويُعاش، علينا أن لا نكف عن الحياة، لأن تحرير ذواتنا من الاحتلال هو استحقاق لا بد منه لتحرير الأرض، فالحر لا يكر وهو عبد، وذاك عنترة، حينما أغار بعض العرب على عبس وساقوا إبلهم فقال له أبوه: كُرّ يا عنتر فقال: العبدُ لا يحسن الكَرّ إنّما يحسنُ الحِلاب والصّر، فقال كُرّ وأنت حُر، فقاتل قتالاً شديداً حتى هزم القوم واستنقذ الإبل!
—
لا أُريد مكاناً لأُدفن فيه أريد مكاناً لأحيا وألعنه لو أردت، كما قال درويش أيضا، هذه ليست دعوة لإدارة الظهر للجد والاجتهاد والبحث عن طريق للخلاص من الاحتلال، ولكنها دعوة لتحديه والخروج من قمقم الهم والغم، اقول هذا، انا استذكر بعض العبارات لأصدقاء يعتبرون أن كل حياتهم مؤجلة لحين «التحرير» مع أنهم لم يفعلوا شيئا جديا لهذا التحرير، فلا هم حرروا أرضهم ولا حرروا نفوسهم، ولا هم هنا ولا هم هناك!