المصري بعد الرئاسات الثلاث
خرج طاهر المصري من موقعه رئيساً للاعيان،والمصري حاز في تاريخه الرئاسات الثلاث اي النواب والاعيان والحكومة،ولااعرف اذا ماكانت هناك اي شخصية اخرى في تاريخ البلد قد حازت هذه الرئاسات الثلاث؟!.
خروج المصري يتم توظيفه،باعتباره مظلومية من نوع خاص،والارجح ان ذات المصري لايقبل هذا التوظيف،الذي لايتناسب اساساً مع المواقع التي حازها في الدولة،والرجل شخصية اعتبارية مهمة ومحترمة.
يكفينا ان نشهد هذا الاجماع عليه،من كل الاردنيين بشتى منابتهم واصولهم،في الكتابات والتعليقات،حتى لاتسيء فكرة المظلومية الى ذات المصري،الذي كان ومايزال رمزاً جامعاً،بل يكفيه ان ابناء العشائر هم الاكثر دفاعاً عنه،وتقديراً لجهده في البلد،وهذا يقول ان إلباسه ثوب المظلومية يؤذيه ويضر رصيده.
هذه طبيعة الحياة،والمصري كان توافقياً ومعتدلا،كلامه في السر،يتطابق مع كلامه في العلن،وهو ايضا من رجال الدولة،الذين لهم قبول في كل مكان،في المدينة والقرية والبادية والمخيم.
كل شيء يخضع للتحليل بطريقة سلبية،ولاتعرف لماذا يراد استغلال خروجه من موقعه باعتباره مظلومية له شخصياً،او لمكون من مكونات البلد،فالرجل على الرغم من اي دلالة تخصه،الا انه كان مقبولا من الجميع،ولااظنه يرضى ان ينشطر تحت وطأة هذه المعالجات الى ممثل لفئة او مكون،فهذه حالة لاتليق بالرجل اساساً،من جهة،ولايقبلها على ذاته ايضاً،بأعتبارها عزلة ضيقة؟!.
الى متى سنبقى اسارى للمحاصصة،ولماذا لانتذكر اننا في فترة من الفترات مثلا،تم تعيين رئيس حكومة ورئيس اعيان ورئيس سلطة قضائية يعودون الى منبت واحد،مثلا،فلماذا لم يقل احدهم حينها ان كل مواقع البلد في يد هذا المنبت،وان ُمكوناً آخراً تم ظلمه؟!.
لماذا لاتكون قاعدتنا التي نحلل على اساسها،عنوانها،ان المرء اذا كان اردنياً فعليه ان يقبل بأي اردني جيد آخر في موقع المسؤولية،واذا كان المرء يعتبر ذاته غير اردني فأن مداخلته في الشأن العام لاتصير من حقه؟! في كل الحالات فأن اهمية المصري تشكلت اساساً،من انفتاحه على الجميع،واعتداله،ايضاً،وليس من كونه ممثلا لاتجاه محدد،او فئة،كما ان كلفة توظيف اي قرار مثل تغيير رئاسة الاعيان،بهذه الطريقة،كلفة مرتفعة على الداخل الاردني وتؤدي الى تمزيق اللحمة الداخلية،وانكار ماهو اهم،خصوصاً،حين تأخذنا الاهواء الى استنتاجات كثيرة.
الضجة الكبيرة التي ترافقت مع خروج المصري يعود سرها ايضا الى رصيد الرجل،ونظافته،والى المفاجآة ايضاً في التغيير لكون كل المعلومات كانت تقول ان المصري باق،غير ان علينا ان نتخلص من عقدة المناطقية والجهوية والاقليمية في التحليل.
لايعقل ان نخضع لذات القواعد كل مرة،فأذا استقال مسؤول من الشمال قيل ان اهل الشمال يتم اضطهادهم،واذا استقال مسؤول من الوسط قيل ان اهل الوسط يتم اضطهادهم ايضاً،وهكذا تخضع التغييرات لهذه الرؤى.
طاهر المصري تولى الرئاسات الثلاث لانه اردني،ولانه من رجال الدولة،واي دلالات لوجوده،لن تتغير في حال تركه لموقعه،وكثيرا ماتكون القيمة الاعتبارية للشخص،مرتبطة بأسمه شخصياً،قبل موقعه،وهذه هي حالة المصري تحديداً.
ثم علينا ان ننتظر الذي ستأتي به الايام بشكل عام،فقد اعتدنا في البلد على هذه التغييرات،ودلالات التغيير،وكل مرحلة تأتينا بمفاجأت جديدة،ويصير لحظتها كل التحليل السابق القائم على السطحية،فاقداً لقيمته ومعناه،ولكن بعد فوات الاوان.
فرق كبير بين ان يكون معك نصف الاردنيين،او ان يكون معك كل الاردنيين،والارجح ان طاهر المصري تنطبق عليه الحالة الثانية،فيما يراد توظيف خروجه لحسابات ما،وحصره في رمزية التمثيل لنصف الاردنيين،وهذا امر لايرضاه ذات المصري.