هل تجرؤ الحكومة؟!
إذا كانت الحكومة تتحدث ليل نهار عن التقشف المالي، فان الهدر السياسي و الاعلامي والمالي عبر مجلس النواب يصل إلى ذروته، دون ان يتجرأ احد على وقف هذا الهدر الذي نراه متواصلا في البلد.
بث جلسات مجلس النواب تلفزيونياً، يؤدي إلى اضرار هائلة جداً، ولو حسبنا الكلفة المالية للبث المباشر، ولكل هذا النقل، لاكتشفنا انها كلفة بلغت عشرات ملايين الدنانير خلال السنين الفائتة، وهذا هدر مالي يتوجب وقفه فورا، إذا صدقت النوايا بالترشيد والتقشف.
ثم ان هذا البث التلفزيوني ُيحّول النواب إلى ممثلين مسرحيين في حالات كثيرة، من اجل رفع شعبيتهم، والدعاية لشخوصهم،على حساب البلد، والنائب الذي يتحدث داخل اي لجنة نيابية مختصة بهدوء وعقل وتروٍ، ينقلب امام الكاميرا ويتحول الى خطيب ُيلهب المشاعر، و في حالات يتخذ موقفاً مغايراً للذي اتخذه داخل اللجنة،لانه الان تحت سطوة الكاميرا، وستراه قواعده الانتخابية.
هذا انفصام سياسي، ولابد من وقفه،لان النيابة لدينا تحولت الى نيابة تلفزيونية، والنواب الذين يؤخرون قوانين كثيرة، يفعلون ذلك لانهم يستغرقون في اداء استعراضي تحت القبة، باعتبار ان شبكات التلفزة تحديدا ترصد هذا الاداء، وتبث المداخلات، وهكذا يتحول النائب من رقيب وُمشرّع، الى نجم يريد ترصيد الشعبية،على نفقة الخزينة، وعلى حساب دور الاعلام، وعلى فاتورة التباطؤ التشريعي.
حين يكون لدينا مائة وخمسون نائبا تحت الكاميرات،فأن الارجح ان تصيبهم حمى الشهرة والاعلام،والذي لايريد ان يتحدث،يذهب ويتحدث، والذي يتخذ موقفاً معتدلا بعيداً عن الكاميرات،يستثمر الفرصة للدعاية لحملته الانتخابية المقبلة،على حساب التلفزيون ومجاناً، باعتبار ان هذه فرصة لاتتكرر،امام كلفة الحملات الدعائية،التي يتكبدها النواب لاحقاً.
ادى هذا المشهد الى نتيجة مؤسفة جداً، فالنيابة باتت استعراضاً دعائياً،وافسد هذا روح النظام الداخلي لمجلس النواب، وهو نظام قائم على فكرة اقرار القوانين داخل اللجان،واختصار المناقشات تحت القبة،مادام القانون قد عبر فلتر التشريع الاول،ومانراه حقا،عرقلة سياسية مكلفة جدا للبلد ، فاللجنة تقر القانون،و ينقلب الجو تحت القبة، والكاميرات تذكي هذا الانقلاب.
على الحكومة ان توقف هذا الهدر السياسي والاعلامي والمالي، وان تتخذ موقفا واضحا، دون ان تخشى من ردة فعل احد، لان جلوس النواب والحكومة معا تحت القبة، ليس خلوة عاطفية، يتوجب بث عطر همساتها امام الجمهور، ويكفينا في أجهزة التلفزيون و حتى الصحافة المكتوبة تقريرا قصيراً تلخيصياً، دون التورط في تلميع الأشخاص، وبث المداخلات، حتى يتم فك عقدة الدعائية في الاداء، وحتى يتخلص النواب من آفة الظهور امام الكاميرا.
النواب عليهم تقديم أنموذج حّي في المسؤولية، بدلا من هذه «النطنطة» امام الكاميرات تحت القبة، و بدلا من الازدواجية بين مايقال في غرف البرلمان واجتماعاتها، وبين مايقال امام الكاميرات وتحت القبة.
عدم تجاوب الحكومة ايضاً مع الطلب الشعبي، بوقف هذا الهدر سيكون مؤسفاً، لان الناس يريدون الخلاصة،وأذا تأملنا عرقلة النواب لقوانين كثيرة – وهي عرقلة مكلفة – والاستعراض الجاري امام الكاميرات، فأننا نلمح ببساطة انحرافاً في قواعد النيابة نحو أي شيء آخر.
لعل هناك من يجرؤ على وقف هذه الاستعراضات؟!.