حلمي الأسمر
العبودية محظورة رسميا وتشريعيا بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 ومعاهدة الأمم المتحدة التكميلية لعام 1956 بشأن إلغاء العبودية وتجارة ومؤسسات الرقيق والممارسات الشبيهة بالعبودية، ومع ذلك فالتشريع شيء والواقع الميداني شيء آخر، حسب آخر رم تم نشره أخيرا، يقترب عدد العبيد في العالم من 30 مليون إنسان، وفق تصنيف العبودية العالمي الذي أعدته مؤسسة
‹Walk Free Foundation› الأسترالية بالتعاون مع منظمات حقوقية دولية ومعاهد عالمية للبحوث العلمية. وقد نشرت المؤسسة يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول نتائج الدراسات التي أجرتها حول انتشار العبودية في العالم، ويضم التصنيف 162 بلدا. وانطلق معدو الدراسة من 3 عوامل رئيسية، هي انتشار عمل العبيد وعدد حالات الزواج بين الأطفال وأبعاد تجارة البشر، ويلعب المؤشر الأول دورا أساسيا في التصنيف. وحسب المؤسسة فإن 29.5 مليون شخص في العالم يعتبرون أنفسهم عبيدا، وحسب منظمة العمل الدولية فإن العبودية تكتسب اليوم أشكالا مختلفة، بينها الاعتماد على مقرضين والإجبار على عقد الزواج وما إلى ذلك، ويعتبر موقف الإنسان من الملكية التي يمكن بيعها أو شراؤها أو إتلافها أهم دليل على كونه عبدا.
وكمثال صارخ على عبودية هذا العصر، يتم إخضاع النساء من أوروبا الشرقية، دون رغبتهن، للعمل في البغاء، ويتم تهريب الأطفال بين دول غرب أفريقيا، كما أن الرجال يرغمون على العمل كعبيد في المزارع البرازيلية. إن العبودية بمعناها المعاصر تتخذ أشكالاً مختلفة وتؤثر على الناس من مختلف الأعمار والأجناس والأنواع.
السؤال الافتراضي الجارح هنا هو: هل أنت حر أم عبد؟ بوسع المرء الإجابة عن السؤال وفق المعيار التالي: وهو ما هي العبودية؟ حسب التعريف المتفق عليه – إلى حد ما – هناك خصائص مشتركة تميز العبودية عن مخالفات حقوق الإنسان الأخرى. فالعبد : يتم إجباره على العمل – من خلال التهديد العقلي أو البدني؛ يكون مملوكاً أو يتم التحكم فيه من قبل «صاحب العمل»، ويكون ذلك عادة بإيذائه عقلياً أو بدنياً أو التهديد بإيذائه؛ يعامَل معاملة لا إنسانية وكأنه سلعة، أو يباع ويشترى مثل أي «شيء يمتلك»؛ يخضع لقيود بدنية أو تكون هناك قيود مفروضة على حريته في الحركة.
الأمر مريع كما يبدو، فرقم الثلاثين مليونا المذكور آنفا سيتضاعف كثيرا، حين نطبق تلك المعايير الكارثية، خاصة في دولنا العربية بشكل خاص، ودول العالم الثالث بشكل عام، وأخشى أن أعدادا ضئيلة جدا من العرب والمسلمين يمكن أن تصنف خارج دائرة العبودية المعاصرة، في ظل أنظمة حكم استبدادية وأرباب عمل تتماهى سلوكياتهم مع أبشع صور الاستغلال والاستعباد، خاصة مع نظام «الكفيل» المعمول به في الجزيرة العربية!
البعض يجد أنفة في أن يكون عبدا لرب العبيد، فيفر من هذه العبودية السامية، ليجد نفسه عبدا لأسياد كثر، يتمنى معهم أن يكون عبدا ولو ليوم واحد، لرب الأرباب، بدلا من أن يعيش عمره كله، أسيرا لأرباب من جنسه!