الدعم الخليجي قراءة أولية
سريعا كان الرد، اجتماع خليجي طارئ لدعم ومساعدة الأردن، ما يشي بإدراك كبير لدور الأردن وثقله الإقليمي، بعكس ما كان يتم تداوله في الفترة الماضية، وأيضا، يشي بفهم مختلف لحراك الشارع والحالة الحضارية التي رسمت خلال الفترة الماضية.
الأردن خرج قويا من الأزمة بعد أن كرس نفسه كبلد يحترم الممارسات الديمقراطية وحق الناس بالتعبير، والملك انحاز لشعبه وناسه، وعبر عن فخره بشعبه وصورته المدنية التي أشاد بها كل العالم.
المهم نتيجة المبادرة السعودية، عقد اجتماع مكة؛ حيث تم الاتفاق على أن تقدم السعودية والإمارات والكويت حزمة من المساعدات الاقتصادية للأردن يصل إجمالي مبالغها إلى مليارين وخمسمائة مليون دولار أميركي.
وبحسب البيان الصادر عن “قمة مكة” فإن المساعدات تتمثل في وديعة في البنك المركزي الأردني، وضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن، ودعم سنوي لميزانية الدولة لمدة خمس سنوات، إضافة إلى تمويل من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية.
حزمة المنح الأخيرة تختلف عن تلك التي قدمت للمملكة إبان الربيع العربي، لأكثر من ناحية؛ الأولى كانت بقرار من مجلس التعاون الخليجي؛ حيث خصص للأردن مبلغ خمسة مليارات دولار موزعة على أربع دول هي السعودية والكويت والإمارات، إضافة إلى قطر.
الالتزام بتقديم المنحة تم من جميع الأطراف باستثناء قطر التي لم تدفع ما التزمت به للمملكة، وأيضا ثمة اختلاف جوهري بين دعم اليوم والأمس، فبالأمس كان كل الدعم منحا مالية لتنفيذ مشاريع ودعم مالي للخزينة. هذه المرة الأمر مختلف، وغالبية مبلغ 2.5 مليار دولار؛ أي حوالي 2 مليار دينار، ستوزع على أكثر من بند، وجزء منها، فقط، سيأتي كدعم مباشر للخزينة، لتغطية جزء من العجز.
حتى الآن لا تتوفر معلومات حول كيفية توزيع المبلغ، لكن الراشح منها يقول إن 500 مليون دولار سيتم إيداعها عند البنك الدولي، وثمة مبلغ سيوضع وديعة لدى البنك المركزي الأردني، وهذه يمكن سحبها متى أراد المودع، لكن الخطة تساعد على تكريس الاستقرار النقدي، خصوصا أنها تدعم الاحتياطي الأجنبي وهو عنوان الاستقرار النقدي، كما أنها تعمق الثقة بالاقتصاد.
الخطوة، طبعا، ستساعد على حفظ الاستقرار المالي كونها توفر مبالغ مالية مباشرة قد لا تكون كبيرة، لكنها تأتي لدعم الخزينة وتوفير مصادر اقتراض بأسعار فائدة منخفضة.
وهنا يتبدى فرق كبير بين المنحتين، أن الأولى كانت كلها مباشرة للأردن وللخزينة، أما الحالية فقنواتها متعددة وتتوزع على بنود عدة، وهي منح، ودائع، وأيضا قروض من خلال صناديق التنمية، لكن الدعم الأخير يصب في حماية الاستقرار المالي والنقدي ويقوي الثقة بالعملة الوطنية، ويجنب الأردن سيناريوهات قاسية.
العون الخليجي الجديد، للسنوات المقبلة، يكفي للإنقاذ، بيد أنه لا يغني عن برنامج وطني لإصلاح الاختلالات، ومعالجة الثغرات، ومنها التشوهات في الموازنة العامة وبيئة الاستثمار الطاردة، من أجل التأسيس لبناء اقتصاد إنتاجي، وبالتالي من أجل أن ننجح في تكريس مبدأ الاعتماد على الذات.
في سنوات سابقة، أنفقنا جزءا من المنحة الخليجية على مشاريع لم يشعر الأردنيون بنتائجها، وبما أن التهديد المباشر للأزمة المالية الخانقة تراجع كثيرا نتيجة المساعدة الخليجية، فإن الأولى أن نعلن عن خلية عمل وطنية تساعد الأردن على بناء اقتصاد متين، يوفر حياة أفضل لناسه.
كتب . جمانة غنيمات