ايمان نعمه تكتب .. الرميمين الوطن
الرميمين الوطن
للقرية الاردنية جمال لا يفهمه الا من عاش في بلاد الغرب وشاهد ما يوصف من جمال للطبيعة هناك وعرف ان هناك شيئا مختلفا في جمال القرية الاردنية .. ربما هو في عذريتها وطبيعتها البسيطة الصادقة التعبير .. ربما هو في اهلها البسطاء الصادقين ايضا .. ربما في كونها مكانا يسكن الذاكرة ويحمل صور الطفولة .. وربما في كل هذا معا . عندما انظر الى صور الرميمين تعود بيّ ذاكرتي الى طفولتي وقريتي التي تغيرت صورتها كثيرا .. غابت عنها لوحة البيادر الصفراء البعيدة التي كنت اشاهدها من شرفة بيت جدي القديم .. زحفت الطرقات والبنايات على الاراضي الزراعية التي كانت تزرع قمحا واحتلت مساحة كبيرة منها .. ولم تعد اللوحة جميلة كما كانت ولم يعد القمح كما كان مصدرا لخبزنا وقوت يومنا .
الرميمين ما زال هناك امل في المحافظة عليها .. ما زال فيها جمال البلدة الاردنية الاصيلة .. بيوتها القديمة وحجارتها تحمل تراثا يسكن في قلوبنا وذاكرتنا .. تلالها واشجارها .. طرقاتها الضيقة المتعرجة الصاعدة الى التلة الخضراء .. اشبه ما تكون بلوحة فنية ناطقة بالحياة والجمال .. اما شلالاتها وينابيعها << نبع الصايغ ونبع الراهب >> فهي كنز وثروة وعطية من الله .. ليس لها ثمن . انها << جوهرة من السماء >>.. كما وصفها المغفور له الحسين بن طلال .. تستحق المحافظة عليها . لكنها اليوم تندثر وتموت بل انها تقتل وتباد.
ماذا يتبقى من الاردن لو انه خسر هذا الكم القليل الذي يملكه من المساحات الخضراء المشجّرة ومن الاراضي الزراعية الخصبة التي تحولت الى فريسة في ايدي السماسرة والطامعين .
تشير التقارير الى ان نسبة المساحة التي تحتلها الغابات من الاردن هي اقل من 1% وقد تصل الى 4. 0 % اي انها تقارب على الانعدام .. ! واذا اخذنا بعين الاعتبار اهمية الاشجار والغابات في تنقية الهواء والمحافظة على البيئة وجمالها خاصة مع التغيرات في المناخ التي تحصل في العالم .. سوف ندرك اهمية القليل مما نملكه منها . هناك حاجة ماسّة الى سن قوانين تحمي وتمنع انقراض الاراضي الزراعية والحرجية ..وتتدخل في طبيعة الابنية المقامة عليها وفي المساحة التي تشغلها هذه الابنية وفي طبيعة استخدامها وتصميمها الخارجي ايضا بما يتناسب مع البيئة المحيطة بها كما هو الحال في الدول المتقدمة . والسجن الذي تم بناءه فوق الهضبة الجميلة المطلة على بلدة الرميمين .. ما هو الا المثال الأصدق على غياب مثل هذه القوانين او غياب تفعيلها .
هذا البناء البشع صورة ومعنى لم يقتل فقط الارض الحرجية التي تم بناءه فوقها لكنه قتل بلدة الرميمين بأكملها .. قتل مشروع المنتزه السياحي المقابل له تماما والمقام قبل اقامة هذا السجن والذي كان من المتوقع ان يساهم في تنشيط السياحة في البلدة وتشجيع الاستثمار فيها. قتل الاراضي المحيطة به لانها لا تصلح بعد اليوم لاي شيء الا لتوسع السجن نفسه .. وقتل الطبيعة المتميزة بها البلدة الوادعة وأسكن الحزن والاسى في قلوب سكانها الذين اعتادوا على مناظرها الخلابة واليوم عليهم ان يستبدلوها بمنظر السجن المطل على شرفاتهم ونوافذهم .. اثر على البيئة الزراعية المحيطة به ولوثها .. واصبح سببا في عدول المغتربين من اهالي الرميمين عن العودة الى بلدتهم والاستثمار فيها .. وهذا للذكر وليس للحصر .
من يشاهد هذا السجن او صورا له لا يستطيع ان ينكر هذه الحقيقة .. ! هل نكذب اعيننا ونصدق من يحاول الدفاع عن قرارات خاطئة وغير مسؤولة تم اتخاذها في عهد وصف بالفساد << العهد الذهبي >> . وبالرغم من مطالبات اهالي البلدة المستمرة والتي بدأت قبل وضع اول حجر في بناء هذا السجن الا انه ليس هناك من مجيب وكأن حكما بالاعدام قد صدر بحق الرميمين من محكمة عليا..!
فما هو الذنب الذي اقترفته هذه البلدة الوادعة كي تستحق حكم الاعدام هذا .. ؟
وهل اعطيت الرميمين حق الدفاع عن نفسها ..؟
وكم من قرية اخرى من قرى الاردن الوادعة سيتم اعدامها ايضا او بدأ اعدامها بالفعل .. ؟
ما زلنا نتساءل وبكثير من الدهشة .!!!.
من المؤلم ان نرى ابناء الرميمين المغتربين بعيدا عنها يدافعون عن بلدتهم وبقائها من اماكن تواجدهم دون ان يستجيب لصرختهم احد من المعنيين داخل وطنهم الام .. وعلى رأسهم واصف بشارة الصايغ حفيد مختار الرميمين الذي حمل معه الى اسبانيا صور بلدته لا ليضعها في البوم للصور ويحفظها للذكرى بل من اجل ان يجعل منها سلاحا يدافع به عن ما ورثه من تراثٍ وانتماء وحب الى ارض الوطن .. الرميمين الوطن… وللحديث بقية….. .