"فالج لا تعالج"!
أيّا كانت التبريرات التي يقدّمها النواب بشأن التعديلات التي أدخلوها على القانون المعدّل للتقاعد المدني، فإنّها في نظر الرأي العام، كما تبدّى ذلك في التداعيات الشعبية والإعلامية، تعكس فقط حرص النواب على تحصين تقاعدهم وأنفسهم في مواجهة سيناريو الحل، وخدمة مصالحهم الشخصية، بصورة مكشوفة! ما فاقم من حجم الغضبة الشعبية من هذه التعديلات، أنّها تأتي بينما الناس تسمع يومياً المعزوفة الحكومية عن العجز والموازنة المترهّلة والنفقات المتضخمة، لتبرير السياسات الاقتصادية القاسية الحالية، ومنها رفع الضرائب، وإزالة الدعم عن المواد الأساسية في الموازنة؛ ثم يرون بأعينهم النواب وهم يفصّلون القوانين والتشريعات تفصيلاً بالملّيمتر على مقاس مصالحهم، ولتحصين أنفسهم ورواتبهم التقاعدية في كل الحالات، بينما يُطالب المواطن البسيط بأن يدفع هو فاتورة رواتب النواب وامتيازاتهم، عبر ما يدفعه من ضرائب ورسوم وكلف الحياة الباهظة! في نهاية اليوم، لم تنجح محاولات تحسين صورة مجلس النواب وترقيعها قيد أنملة. بل على النقيض من ذلك؛ تتجذّر القناعة الشعبية بضعف المجلس، وعدم قدرته بصيغته الراهنة على تمثيل المواطنين في النظام السياسي وحماية مصالحهم. وهي نتيجة تتجاوز النواب أنفسهم إلى مصداقية عملية الإصلاح السياسي التي لم تستطع تغيير الصورة النمطية عن المجلس، ولا إحداث فرق في طبيعة اللعبة السياسية. في الدورة الاستثنائية المنقضية، حاول أصحاب القرار الإبقاء على رمق الأمل بهذا المجلس، والإمساك بأي خيط لتبرير استمراره، برغم الصورة الكارثية التي ظهر عليها منذ الانتخابات النيابية، وذلك بعد “حادثة الكلاشنكوف” عبر فصل نائب وتجميد عضوية آخر. لكن تأتي قضية القانون المعدّل للتقاعد المدني، فتؤكّد أنّ المسألة ليست مرتبطة بحادثة ولا اثنتين، ولا بنائب ولا عشرة! المشكلة الحقيقية، وهو ما أصبح بديهياً ومكرّراً، ويعترف به مسؤولون قبل غيرهم، تكمن في قانون الانتخاب في المقام الأول؛ الذي يعيد إنتاج “النوعية” نفسها من المجالس، طالما أنّ “الصوت الواحد”، لم يُدفَن، كما بشّرنا سابقاً د. فايز الطراونة (حينما أصبح رئيساً للوزراء)، فيسجّل له “الفضل الكبير” في دعم الصوت الواحد، وإبقاء “الدوائر المفتّتة”، بدعوى أنّها أصبحت “حقوقاً مكتسبة”! بدون العودة إلى اجترار وتكرار مناقشة التأثير القاتل لقانون الانتخاب على وضع المجالس النيابية والصورة المحزنة الراهنة، فإنّ ما هو الضروري التأكيد عليه هنا هو أنّ صورة المجلس الحالي ليست بالضرورة هي “الوحيدة” التي تمثّل المجتمع الأردني، أو أنّها النتاج الطبيعي للآليات الديمقراطية، كما يروّج بعض المسؤولين وأصحاب القرار. إذ إنّ الردّ البسيط الواضح على ادعائهم هذا، يتمثّل في إجراء الانتخابات بنزاهةٍ حقيقية، وبقانون توافقي، إمّا الـ89، أو قانون لجنة الحوار الوطني، واعتماد المحافظة كدائرة انتخابية. فحينها سنجد مجلس نواب مختلفا، ونوعية مغايرة –في الأغلبية العظمى- وعودة الثقة والاحترام إلى هذه المؤسسة الدستورية الأساسية! تبدو المعضلة اليوم أنّ هذا المجلس يأتي بعد التعديلات الدستورية، ما يجعل من سيناريوهات الحلّ أكثر تعقيداً وصعوبة، ويرجّح من سيناريو “التعايش” معه، مع ضعف الرهان على قرار من المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون الانتخاب، إلاّ إذا حدثت مفاجأة كبيرة. وضِمْن هذه المعطيات، على المواطنين القبول بالأمر الواقع، مع التسليم بالمثل العامي المعروف “فالج لا تعالج”!