والمقارنةُ أشدُّ مضاضةً!
يمطرنا سياسيون ومثقفون بمشاعرهم العروبية تجاه النظام السوري وهاجسهم الكبير من “المؤامرة الخارجية” التي تهدف إلى تفكيك هذه الدولة خدمة لإسرائيل. في كتابه الجديد “سورية درب الآلام نحو الحرية: محاولة في التاريخ الراهن” (سنقّدم له قراءة موسّعة قريباً)، يضع المفكر والباحث الفلسطيني المعروف، عزمي بشارة، رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في تقديم الكتاب، بعض الإحصائيات والأرقام عن حجم الأضرار والخراب المادي والبشري، الذي لحق بالسوريين وبوطنهم على يدِ “نظام الممانعة” القومي العتيد، وهي أرقام تكشف حجم الكلفة الباهظة التي دفعها السوريون منذ انطلاق الثورة إلى شهر نيسان 2013، أي خلال عامين فقط! وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، فإنّ عدد المدنيين الذين قتلوا حتى شهر يناير 2013 هو 70 ألف مدني، أما الشبكة السورية لحقوق الإنسان فتقول إنّ العدد حتى 13 نيسان بلغ 81.259، بينهم 7783 طفلاً، 7145 امرأة، و2417 قضوا تحت التعذيب. هذه الإحصائيات فقط لأعداد الموثّقين فقط، بينما يقدّر المرصد السوري أعداد الموثّقين والمجهولين بـ120 ألف شخص، ويضيف بشارة بالقول “ويقدّر كاتب هذا النص عدد القتلى بأكثر من ذلك بكثير، وذلك ليس لأنّ الإحصائية تستثني آلاف المفقودين ومجهولي الهوية فحسب، بل لأن هذه القوائم لا تحتسب من توفي بالتهاب رئوي حاد نتيجة المبيت في العراء خلال شتاء عام 2012-2013 القارس، أو جراء الفشل الكلوي لأنه لم يتمكن من الوصول إلى محطة غسل الدم، أو اللواتي توفين أثناء الولادة في أحوال غير إنسانية (ما يدعى بوفيات الأمهات) نتيجة خراب المشافي والمستوصفات وانهيار شبكة الرعاية الأولية. ولا تدرج هذه النصوص في حسبانها وفيات الأطفال بسوء التغذية. كما أننا لا نعرف حتى الأعداد التقريبية للذين أصيبوا بإعاقات جسدية أو نفسية دائمة خلال مجريات الثورة”! ووفقاً للمفوضية العليا للأمم المتحدة، فإنّ عدد المشردين السوريين إلى خارج البلاد حتى نيسان 2013 بلغ أكثر من مليون شخص، بينما هنالك 4 ملايين شخص هجّروا داخل سورية نفسها، أي أنّنا أمام أكثر من 5 ملايين شخص هجّروا من منازلهم، قرابة ربع سكان سورية المقيمين فيها! خلص تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان حتى نهاية أيلول 2012 إلى أنّ 2.945 مليون مبنى تضرر نتيجة القصف، وأنّ 589 ألف مبنى دُمِّر بالكلية، فيما دمّر القصف الجوي والمدفعي والصاروخي مدناً بأكملها، وحوّل حواضر تاريخية إلى ركام. هذا هو الحجم الظاهر المعاين من الأضرار المادية والإنسانية المباشرة، وبالضرورة حجم المأساة والكارثة التي قام بها النظام أكبر بكثير، إذ تحدثنا عن الجانب الإنساني والمعنوي والكلفة غير المسبوقة التي دفعها السوريون ثمناً لإصرار الأسد على التمسك بالسلطة. إلاّ أنّ ما هو “أشدّ مضاضة” في الأرقام التي يقدّمها بشارة، يتمثّل في المقارنة بين حجم هذه الكلفة خلال عامين فقط، ملايين القتلى وملايين المشردين، وتدمير البنية التحتية والمدن، وبين الكلفة التي دفعها السوريون خلال 26 عاماً كاملة، خلال فترة الاستعمار، وهي 10 آلاف شهيد، فأيّ مقارنة هذه بين فترة الاستعمار كاملة وبين عامين فقط من حكم “الحزب القومي”! ربما إذا كان الخمول يصيب تفكير البعض عند مقارنة هذه الأرقام، فمن باب الاستطراد نسأل أصحاب نظرية “المؤامرة الخارجية” (الذين يتجاهلون المؤامرة الداخلية) أمام هؤلاء الملايين من القتلى والمشردين والمصابين والمعتقلين وأمام حجم الخراب والدمار؛ كم دمّر وقتل نظام الممانعة من الجيش الإسرائيلي خلال أكثر من نصف قرن من حكم البعث دفاعاً عن القضية الفلسطينية؟!