الأرجح أن العربي دخل مرحلة التنكيل كالشاة التي لم يعد يؤلمها السلخ بعد الذبح في اللحظة التي ودع بها اثمن ما منحته السماء والطبيعة وهما الحرية والحلم بها ايضا، فهو منذ صدق روايات الاستقلال بدأ يقارن بين ماضيه وحاضره وبين احواله واحوال الشعوب الاخرى الاشد فقرا منه لكنها ليست الاكثر شقاء واستباحة، جربت فيه انظمة الحكم الخمسة من الاوتوقراطي والثيوقراطي وحتى الديكتاتوري والباترياركي وتأقلم مع دور الرعية حتى وجد نفسه محروما من بلوغ سن الرشد، واعادته هذه النظم قرونا الى الوراء ، تنازل بالعنف تارة وبالتدجين تارة اخرى عن استحقاقاته كبشر ، وقبل بالبين بكل اصنافه لكن البين لم يرض به . وصدق بمرور الوقت ان هذا الكوكب رغيف ولا شيء آخر وحين وجد نفسه عاريا في التاريخ وعالقا بالجغرافيا سخر من مأثورات رضعها من طراز تجوع الحرة ولا تأكل بثديها او الزاد اشرفه القليل، كان لديه بقية من حلم ورجاء بأن الحال لا يدوم وانه على موعد شأن سائر البشر مع ايام تعيد اليه الاعتبار ثم اكتشف ان العالم من حوله يتقدم في كل شيء وهو لا يتقدم الا في العمر حيث تنتظره شيخوخة بالغة الوحشة والقسوة لأنه يعيش في مجتمعات يصدق عليها قول الشاعر : اني لافتح عيني حين افتحها ولكن لا ارى احدا، فثقافة الخوف وعدم الثقة بالغة حولته الى متسول لا يفكر بما هو ابعد من الوجبة القادمة، ولم يعد شريكا في صياغة مصيره بل مجرد متفرج على ما يجري له من حفلات تعذيب قد تكون اشد تنكيلا وتوحشا من تعذيب المسيو دميان كما وصفه ميشل فوكو.
افقدته الوعود العرقوبية المتعاقبة آخر رجاء بالتغيير الحقيقي، ورغم كل ما بذله للحفاظ على الحد الادنى من الكرامة الادمية والثقة بالنفس وجد نفسه قد اخضع لجراحات نفسية استأصلت منه امتيازه البشري ، فهل يضير الشاة سلخها بعد الذبح ؟؟