0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

لافروف – كيري: «الأسد مقابل الكيماوي»

بإعلانها التوصل إلى اتفاق بشأن “كيماوي سوريا”، يكون الوزيران سيرغي لافروف وجون كيري قد أعلانا إقرارهما ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا، أقله حتى منتصف العام 2014، موعد الانتخابات الرئاسية السورية المفترضة، هذا الأمر يثير حفيظة الدول التي وضعت شعار “قلب النظام” في صدارة أولويات أجندتها السورية (تركيا، السعودية وقطر وفرنسا)، مثلما سيثير غضب تيارات في معارضة الخارج والجماعات المسلحة في الداخل، التي طالما انتظرت الضربة العسكرية الأمريكية – الأطلسية بفارغ الصبر.
الاتفاق الذي نص على تقديم سورية قائمة بموجوداتها من هذا السلاح خلال أسبوع واحد، دعا إلى نشر المراقبين والمفتشين والخبراء الدوليين في موعد أقصاه تشرين الثاني/ نوفمبر القادم … وانتشار هؤلاء كما هو معلوم، يتطلب استقراراً نسبياً في الأوضاع الأمنية في سورية، وبقاء قوات النظام مسيطرة على مواقع انتاج وتخزين المواد الكيماوية، ما يدعونا للافتراض، أن واشنطن وموسكو، اتفقتا على تسريع خطوات حل الأزمة السورية سياسيا، وتفادي كل ما شأنه إحداث تغيير ذي مغزى في توازنات القوى على الأرض، وإلا لانقلب السحر على الساحر، وخرجت آليات تطبيق الاتفاق عن السيطرة والتحكم.
ولأن تدمير هذا السلاح سيستغرق وقتاً طويلاً نسبياً، وقد لا ينجز في منتصف العام المقبل في ظل تقديرات للخبراء والمختصين تتحدث عن الحاجة إلى عدة سنوات، وليس إلى عدة أشهر لإنجاز هذه المهمة، فإن من المتوقع تماماً أن تكون موسكو وواشنطن، قد وجدتا حافزاً قوياً لتنشيط العملية السياسية و”بمن حضر”، فتدمير هذه الأسلحة، وليس مستقبل الأسد أو نظامه، هو الهدف الأسمى للولايات المتحدة على أقل تقدير، لأن في ذلك خدمة جليلة للأمن الإسرائيلي، وهذا ما سيحرص جون كيري على نقله لقادة إسرائيل غداً، في مسعى منه لإقناعهم بأنهم يتصدرون قائمة “الرابحين” في الاتفاق الروسي – الأمريكي، وهو أمر لا تعارضه روسيا على أية حال، بل تجد فيه وسيلة لتعميم دورها “الإيجابي” في المنطقة، وتوطئة لما يمكن أن تقوم به مستقبلاً بين إيران وكل من واشنطن وتل أبيب.
خلاصة القول، ثمة ما ينبئ بأن مارثون المحادثات بين كيري – لافروف، لا يمكن أن يكون قد اقتصر على بحث مصير السلاح الكيماوي، وإن كان هدفه التوصل إلى اتفاق بشأن إخضاعه للمراقبة توطئة لنزعه وتدميره … ذلك أن موجبات نزع السلاح الكيماوي وتدميره، باتت تملي على القطبين العمل سوياً وعن قرب، لحل سياسي للأزمة السورية، أقله لضمان تعاون النظام في تنفيذ الاتفاق من جهة، وتوفير الأمن والحماية للمراقبين والمفتشين، وثمة تقديرات بأن أعدادهم ستكون كبيرة جداً من جهة ثانية، ولضمان عدم سقوط السلاح في “أيدي غير مرغوب فيها” من جهة ثالثة … أي باختصار، ثمة ما ينبئ بأن اتفاق كيري-لافروف قد قام على معادلة “الأسد مقابل الكيماوي”.
التسوية / الصفقة السياسية، باتت متطلباً لتدمير السلاح الكيماوي السوري، وشرطاً لإنجاز هذه المهمة على أكمل وجه … وبقاء النظام بات جزءاً من هذه الصفقة وشرطاً لإنجازها، طالما أنه الطرف السوري المتعاقد بشأنها، وبيده أن يجعل تنفيذ الاتفاق ممكناً أو يرتد على وعوده مقامراً بتأزيم المشهد من جديد، وهو سيفعلها إن شعر بأن بقاءه بات مهدداً، إن بفعل تنامي دور المعارضة المسلحة أو بفعل التدخلات الإقليمية والدولية.
وفي ضوء ذلك كله، لم نستغرب أبداً، لهذا الحماس الظاهر والمفاجئ لعقد “جنيف 2”، فالأمين العام للأمم المتحدة، والوزيران الأمريكي والروسي، باتوا يضربون مواعيد قريبة جداً لانعقاده، مرجحة أن يكون ذلك في تشرين الاول / أكتوبر القادم، ولا أحسب أن الوزيرين في مارثون محادثاتهما في جنيف، قد أبقيا أمر التسوية / الصفقة، في إطار العموميات، وأرجح أن يكون بحثاً تفصيلياً قد حصل بينهما، وأن اجتماعات الثامن والعشرين من الشهر الجاري في نيويورك، سوف تضع الحروف الأخيرة على مسودة الاتفاق الأوسع حول “صفقة الحل السياسي”، بعد أن يكون مجلس الأمن، قد أصدر، وتحت الفصل السابع كما يرجح، قراراً ملزماً قائماً على مسودة الاتفاق الروسي الأمريكي حول الكيماوي.
هذا يعني أن واشنطن قد خذلت للمرة الألف، أصدقاءها وحلفاءها، بعد أن نحّت جانباً أجندة تنحية الأسد، وقدمت عليها أجندة نزع أنياب سوريا ومخالبها الكيماوية … مقدمة بذلك خدمة جليلة لأمن إسرائيل، فهي وحدها من بين دول الجوار القريب والبعيد لسورية، من كان يخشى هذا السلاح ويرغب في الخلاص منه، ويسعى في ضمان عدم انتقاله لـ”الأيدي الخطأ”.
لم يكن نزع الكيماوي ليتصدر أجندة المعارضة أو أنقرة أو الرياض أو الدوحة، أو حتى باريس … هذه الأطراف الصديقة والحليفة لواشنطن، لها أجندة خاصة في سورية، عبّر عنها اجتماع فرانسوا هولاند مع وزراء خارجية عدد من هذه الدول، واتفاق مختلف الأطراف دعم المعارضة المعتدلة … لهؤلاء أجندة تتصل بالنظام في دمشق، وحلفائه في طهران والضاحية الجنوبية من بيروت أساساً، وهو ما يتعين عليهم إعادة النظر فيه، والتكيف مع موجبات الاتفاق الروسي – الأمريكي وإن على مضض.
وستكون لهذا الاتفاق تداعيات على الموقف الأمريكي من إيران، حيث نشهد غزارة في رسائل الود المتبادلة بين طهران وواشنطن، ورغبة متبادلة بين الطرفين لطي صفحة الصراع وفتح صفحة من الحوار والتعاون، وربما تترجم موسكو مبادرتها الكيماوية في سوريا، إلى مبادرة نووية في إيران، مستفيدة من كون الرئيس أوباما الذي تردد طويلاً في اتخاذ قرار الضربة العسكرية لسورية، سيكون أكثر تردداً ومماطلة حين يتعلق الأمر بإيران وبرنامجها النووي، والأرجح أنه سيحتاج مجدداً لـ”طوق نجاة” من بوتين مثلما كان بحاجة لـ”سلم” المبادرة الروسية للهبوط عن قمة شجرة الأزمة السورية.
مارثون جنيف، يفتح الباب للاعتقاد بأن عوامل نضج وتبلور “الموقف الدولي” الدافع باتجاه حل الأزمة السورية سياسياً قد اكتملت، يبقى الآن أن نترقب كيف سيتصرف القطبان الدوليان مع حلفائها في سوريا والإقليم، والأيام القادمة ستكشف الكثير من التطورات والتبدلات في المواقع والمواقف.