نحو مجلس نواب خال من أصحاب السوابق!
لا نجد الكلمات المناسبة للتعبير عن حقيقة ما يجول في خواطرنا من سخط ونقمة وغضب وخذلان وخجل مما وقع في مجلس النواب أمس، ولا نعمم مشاعرنا بالقهر على جميع نوابنا، ولكننا نشعر أننا أمام نوائب من النوع الغليظ حلت على رؤوسنا، فأفقدتنا التوازن وشوهتنا كلنا أمام أولادنا وأنفسنا والعالم برمته، بعد أن أصبحنا مضغة في ألسنة الناس كلهم!
صحيح أنه لا يفترض أن يكون النائب هو «إمام» قومه، ولا أفضل من في دائرته، أو حيه، بالمطلق، ولكن ثمة بعدا أخلاقيا يتعين أن يتحلى به بالحد الأدنى من يتقدم لنيل شرف تمثيل الأمة، ولعل أول اقتراح يتقدم في ذهن المرء بعد ما حدث بالأمس، أن يشترط القانون خلو صفحة المرشح لمجلس النواب من أي سلوك أو حكم أو حتى اتهام بأي ممارسة بعيدة عن الذوق العام أو مخلة بكونه صاحب خلق رفيع، يُضرب المثل به، كي لا نرى نوابا يمارسون «العنف» تحت القبة ضد زملائهم، سواء بكأس ما، أو منفضة سجائر، أو استعمال أي شكل من أشكال العدوان الجسدي، حتى ولو بالعنف اللفظي، كي نضمن مجلسا خاليا من العنف!
وأحسب أننا لو طبقنا هذا المعيار على نوابنا، لاضطررنا أن نعيد النظر في نيابة الغالبية الساحقة، لأن سجلات الكثيرين حافلة باعتداءات (أو اتهامات!)، من نوع ما سواء على زملاء أو مواطنين، أو ممتلكات عامة، ووفق ما نشر قبل فترة في صحفنا المحلية، يواجه أكثر من 80 نائبا في البرلمان تهما وقضايا مختلفة، ما تزال قيد النظر أمام محاكم مختلفة، فيما تم الفصل بقضايا أخرى، إضافة إلى طلبات جلب، وقضايا قيد التنفيذ في المحاكم الأردنية، وتختلف التهم الموجهة للنواب، بحسب التصنيف الجرمي، وتكشف المعلومات عن وجود عشرات القضايا العمالية ضد نواب، إضافة إلى قضايا الاعتداء على الممتلكات، فيما اتهم نواب آخرون بقضايا مختلفة، إذ سجلت قضايا عديدة تحت بنود ‹التهديد›، والذم والتحقير، وقضايا المطبوعات والنشر.
خارج النص / بقية
فيما يتبين أن سجلات نحو 20 نائبا فقط خالية من القضايا الجرمية والمالية، الوثائق الرسمية، تكشف أيضا عن اتهام نحو 30 نائبا في البرلمان في قضايا وجرائم مالية ووظيفية، من بينها مواجهة تهم القتل، وإصدار شيكات بدون رصيد، والتزوير والسرقة والاحتيال، والكسب بلا سبب، والإخلال بالواجبات الوظيفية والرشوة والاختلاس، وإساءة الائتمان، والقبض غير المستحق، إضافة إلى الكمبيالات والسندات والمطالبات المالية والقروض. فيما تورط نواب آخرون في قضايا التهرب الضريبي، والتهريب ومخالفات لقوانين الصناعة والتجارة والصحة العامة، وقانون العمل والحقوق العمالية، فضلا عن الذم والتحقير والتهديد والإيذاء والقتل بغير قصد وإحداث عاهة دائمة! وتكشف الوثائق أن عدد الطلبات قيد التنفيذ بحق النواب تجاوزت 15 نائبا، فيما يوجد بحق أحدهم وحده نحو 25 طلب تنفيذ، وآخر 7 طلبات تنفيذية. والمصيبة أن عددا من هؤلاء النواب، حصلوا على عدم محكومية، لغايات الترشح للانتخابات، بعد إجراء تسويات أو استئناف القضايا، خلال فترة الترشح والانتخاب، ثم ما تلبث القضايا أن تعود من جديد، وينحصر تأثيرها على هؤلاء النواب، بسبب وجود الحصانة البرلمانية، بل إن البعض يلجأ للهروب تحت القبة للتمتع بالحصانة، تملصا من الملاحقة القانونية التي تنتظره، حيث تتضمن المادة 86/1 من الدستور الأردني حكما عاما، بعدم محاكمة النواب أثناء دورات الانعقاد للمجلس، إلا بعد رفع الحصانة عنهم. وهذا يعني أن الحصانة البرلمانية تحول دون محاكمتهم، إلا بإذن من المجلس النيابي، ما لم يكن هنالك حالة تلبس بالجريمة!
حادثة الأمس تكشف لنا «عوارا» خطيرا في القانون، يجب أن يتولى إصلاحه مجلس نواب خال من أصحاب السوابق، كي لا تتكرر حوادث العنف، حفاظا على ما بقي من صورتنا من نقاء أمام العالم!