0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

لصوص يبيعون الآثار لسماسرة وسياح

 على الاعتداء عليها، بنبشها بحثا عن دفائن وعملات نادرة، تلقى رواجا كبيرا في السوق السوداء.

ويغذي الاتجار بالآثاريات واللقى، ضعف، واحيانا غياب، دور دائرة الآثار العامة والشرطة السياحية عن متابعة ما يقوم به “النبيشة” وسماسرة وأصحاب متاحف شرقية يسعون للثراء السريع.
هوس “النبش” للحصول على قطع أثرية نادرة من مواقع تاريخية، و”تواطؤ” بعض حراسها، والنشاط المحموم لسماسرة تسويقها، تظهر ضعف دور دائرة الآثار، والجهات الاخرى، في حماية الارث الحضاري للبلاد، وعدم المقدرة على تنظيم برنامج حماية لحراسة تلك المواقع.
ففي ظل تواضع ميزانية “الآثار العامة”، التي لا تتجاوز 4 ملايين دينار سنويا، وضعف الرقابة على المواقع الاثرية، وخصوصا البعيدة عن العاصمة عمان، لم تتمكن الدائرة من تعيين حراس لحماية الكنوز الدفينة، وهي تكتفي بالقاء المسؤولية المناطة بها على ظهور “النبيشة والسماسرة”، وتتهمهم بـ”هدر تاريخ وهوية الوطن”.
ومع ان قانون الآثار واضح في اعتبار الدفائن والكنوز الآثارية “حق للدولة”، لكن الخلل يكمن في التنسيق بين الجهات المعنية، وما تواجهه من صعوبات لتطبيق القانون، وكلها تشكل عوائق لوجستية، وفق محامين.
وسط ذلك، لا يجد اغلب “النبيشة” المحظوظين بالقبول اجتماعيا، وقد تحول نفوذهم المالي الى سطوة اقتصادية جراء ثرائهم “غير القانوني والأخلاقي”، صعوبة في الدخول إلى مواقع أثرية وحفرها في وضح النهار، على الرغم من وجود حراس لها، حيث يقبل بعض الحراس بمبالغ وأشياء بسيطة جدا، قد لا تتجاوز 10 دنانير، لينال النبيشة مقابلها تسهيل مهمتهم، وفق حديث بعضهم لـ”الغد”، ممن رفضوا التصريح باسمائهم أثناء اجراء الحديث، فاستعضنا عنها بأسماء مستعارة.
“الغد” رصدت في الأشهر الستة الماضية، ثلاثة مواقع آثار، وكشفت خلال زياراتها الميدانية لها، وعلى فترات زمنية مختلفة، الإهمال الحكومي لها، حيث استبيحت على ايدي شبان عاطلين عن العمل، وبعضهم يحملون شهادات جامعية عليا، تحولوا الى “لصوص آثار”.
قبول مجتمعي لنشاط لصوص الآثار
تبدأ سلسلة الاعتداء على المواقع الاثرية والسطو على كنوزها التاريخية من دفع “مبالغ مالية” زهيدة لبعض حراس مقابل غض أنظارهم عما يقدم عليه “النبيش” من سطو على الثروة الآثارية الوطنية، ثم ياتي نشاط واعمال السماسرة وأصحاب المتاحف الشرقية المحموم، لبيع عملات آثارية، بعضها يقدر سعرها بعشرات آلاف الدنانير، وخصوصا التاريخية منها، والمدفونة في مقابر قديمة، اذ تتصدر اعلى الأسعار، تليها أنتيكات وخرز، تعود للعصر الروماني والبيزنطي والعثماني.
وعلى الرغم من العبث بمقدرات البلاد التاريخية، فإن فئة “النبيشة” تحظى بقبول مجتمعي، جراء قدرتها المالية الكبيرة، وجهل افراد من المجتمع الذي يتعامل معهم، بقيم المحافظة على التاريخ والآثار.
كما ان ثقافة حماية الآثار، وما يتعلق بها، شبه غائبة عن المجتمع ووسائل الاعلام الرسمي والخاص في الأردن، الى جانب جهل عام بقانون حماية الآثار، وما يحمله لمخالفيه من عقوبات يصل بعضها الى الحبس والغرامة المالية.
فالثلاثيني “نادر محمد”، يجد في نبش الآثار والمقابر الآثارية بقصد الحصول على الدفائن، وسيلة “للثراء السريع في وقت قصير”، لا سيما مع غياب الجهات المسؤولة عن حمايتها.
وتمكن نادر، الذي يعيش في مادبا من جني مال وفير، مكنه من شراء سيارة فخمة، جراء اعمال نبش نفذها جهارا نهارا، من دون حسيب أو رقيب، ويجد أن عمله هذا مدعاة للفخر، خصوصا أنه يلاقى بالترحيب من اقاربه وأصدقائه وأبناء مجتمعه، كلما عثر على دفينة في مواقع ينبشها.
لم يكلّ نادر أو يظهر التعب، خلال نبشه وحفره لساعات طويلة مواقع آثارية، مستخدما ادوات حفر متنوعة، بينها فأس و”بلبل” وجهاز مختص بالتنقيب عن الذهب، حصل عليه في التسعينيات خلال دراسته في الولايات المتحدة الاميركية.
يقول لـ”الغد” إنه لم يجد صعوبة على الإطلاق في الدخول إلى مواقع آثارية والحفر فيها حتى الاعماق، وذلك لعدم وجود حراس لها، لافتا الى انه في حال وجد حراسا لبعضها، فإنهم يمررون عمله مقابل بعض المال، ولو كانت مبالغ بسيطة قد لا تتجاوز 10 دنانير، فيسهلون مهمة الحفر في تلك المواقع.
اما الثلاثيني “احمد علي”، فبدأ دخوله الى عالم النبيشة في السادسة عشرة من العمر، بعدما علم من قريب له بما تحققه مثل هذه الاعمال الاعتدائية من مردود مادي خيالي.
ولتحقيق اهدافه، اشترى احمد جهازا خاصا بالبحث عن المعادن بسعر 10 آلاف دينار، أحضره للاردن عن طريق مهربين، ليبدأ البحث والتنقيب في مواقع آثارية مختلفة، مشيرا الى “أن اكثر المواقع التي يحصل فيها على دفائن، هي المقابر، لاحتوائها على عملات قديمة يعود تاريخها الى عصور مختلفة، اشهرها العصر الروماني والتركي.
ولينفذ مهمة النبش؛ يدفع احمد مبلغا بسيطا لحراس بعض المواقع الآثارية، لقاء دخولها، لتنفيذ مهام النبش في وضح النهار، حسب قوله.
ويسعى “خلدون محمد” جاهدا للبحث عن عملات قديمة نادرة، يعود بعضها الى العصور الرومانية والبيزنطية والعثمانية.
ويتفق “لصوص الآثار” على ان ما يجدونه من لقى، يبيعونه مباشرة إلى أصحاب متاجر تحف شرقية، في ظل ضعف العمليات الرقابية الحكومية على هذه المحال، وبأسعار تحدد حسب قيمة العملة وعمرها التاريخي، وتباع بعدها للسياح بأسعار مضاعفة، مبينا أنه يقبل بالقليل لكي يستمر في تحصيل الربح.
وباع احمد، الذي يدرس السياسة في جامعة خاصة، عملة نقدية قديمة لتاجر آثار بقيمة 10 آلاف دينار، بينما اكتفى خلدون ببيع فخارية صغيرة بـ 500 دينار وعملة اخرى بـ 250 دينارا فقط، جاهلا حسب قوله “كم ستباع للمشتري من المتاحف الشرقية اوالسماسرة”.
عجز رسمي بدعوى شح المال
في الوقت، الذي يعتدي فيه “لصوص الآثار” على مواقع آثارية من دون حسيب او رقيب، تؤكد الجهات الرسمية والمتمثلة بدائرة الآثار، عدم قدرتها على حراسة كافة المواقع المنتشرة في المحافظات، لتواضع ميزانيتها والتي لا تتجاوز 4 ملايين دينار سنويا.
وتقول الدائرة عبر مديرها بالوكالة فارس الحمود بأن موازنتها “محدودة وهي لا تكفي لحماية المواقع الآثارية كافة، فضلا عن أن مخصصاتها المالية، توظف لإعادة استملاك مواقع آثارية”.
وسجلت الدائرة نحو 10 آلاف موقع رسمي، بينما هناك آلاف المواقع التي لم تتمكن من تسجيلها لشح إمكاناتها، حسب الحمود.
وأكد الحمود أن الأولوية دائما تتوجه نحو المواقع المسجلة لترميمها وحمايتها، غير أن المواقع الاخرى غير المسجلة، لا تستطيع الدائرة حمايتها، فيجد “لصوص الآثار فرصة لتنفيذ مآربهم فيها”.
وتتعرض اكثر المواقع الآثارية الواقعة في المحافظات البعيدة والمناطق النائية للتعدي على يد مواطنين، ومنها: البصيلة في الرمثا، تل عميرة قرب طريق المطار.
ويغلب البحث عن الذهب على تطلع “لصوص الآثار”، لكنهم لا يعلمون، حسب قول الحمود، بأن الدفائن لا تحتوي على الكنوز الذهبية، وإنما تقتصر على أوان فخارية، سرعان ما تتكسر جراء الحفريات العشوائية، التي يقوم بها مثل هؤلاء.
وأكد مدير مكتب آثار العاصمة أحمد الشامي أن هناك مواقع آثارية في العاصمة والمحافظات، تتعرض للعبث والتخريب على ايدي عابثين و”لصوص آثار”، يجهلون القيمة الحضارية للمواقع الآثارية، ومنها: تل العمارين وعين البيضة.
وتوظف الدائرة وفق موازنتها المتواضعة حارسا لكل موقع أثري لحمايته، لكن هناك آلاف المواقع من الصعب حمايتها لقلة مواردها المالية، حسب الشامي.
المواطن يتحمل المسؤولية؟
وبينما يلقي الحمود مسؤولية التعدي على المواقع الآثارية على المواطنين أنفسهم، لقلة وعيهم بأهمية هذا الارث الحضاري، فان خبير الآثار الدكتور لطفي خليل، يرى أن مسؤولية التعدي على الآثار، تقع على عاتق عدة جهات من دون ان تنحصر المسؤولية في دائرة الآثار فقط.
أما عن الدوافع وراء امتهان مواطنين للنبش عن الآثار، فبين خليل أنها ترتبط بعوامل اقتصادية، اذ بدأت تتجلى هذه الظاهرة في نهاية الثمانينيات، أي في بداية الأزمة المالية بالاردن.
ويؤيده في ذلك، مدير دائرة الاثار الأسبق الدكتور غازي البيشة، الذي قال لـ”الغد” إن “نحو 26 الف موقع أثري مسجل في الدائرة العامة، إلى جانب آلاف المواقع الأخرى غير المسجلة، ما يعني استحالة ان تتمكن الدائرة من حماية تلك الآثار جميعها من أي اعتداءات”.
وأكد البيشة، ما ذهب اليه مسؤولون من أن “الدائرة وحدها لا تقدر على حماية وحراسة المواقع الآثارية، لقلة مواردها المالية”، معولا على وعي المواطن بحماية آثار بلده.
هدر للتاريخ والهوية
عميد كلية الآثار في الجامعة الاردنية السابق الدكتور لطفي خليل اشار الى أن شعوب الدول المتقدمة، لديها وعي كامل بأهمية الآثار التي تعبر عن هوية بلادها، وتعد إرثا حضاريا لا يساوي مليارات الدنانير.
ولفت الى أن التعدي على الآثار عبر نبشها وأعمال الحفر العشوائي فيها، بقصد البحث عن الدفائن كما يزعمون، يدمر المواقع الآثارية ويهدد ديمومتها.
وبين خليل أن الحفريات التي ينفذها علماء آثار بطرق علمية ودقيقة تدمر الحقائق العلمية وتشوه معالم المواقع الآثارية، وعليه فإن الحفريات العشوائية التي يقوم بها “لصوص الآثار”، تسبب مخاطر أكبر من المخاطر التي تتسبب بها الحفريات العلمية.
وتشجع إعلانات تعرض عبر الإنترنت، لبيع الادوات والآلات الخاصة بالبحث عن الدفائن في المواقع الآثارية، ضعاف النفوس بالتعدي على تلك المواقع.
وطالب خليل بتكاتف الجهود لردع كل من تسول له نفسه بنبش الآثار، وفرض عقوبات رادعة على المعتدين.
وينص قانون الآثار رقم (21) للعام 1988 على انه “يحظر على أي شخص طبيعي أو معنوي، القيام بأي حفريات في المواقع الآثارية، بحثاً عن الدفائن الذهبية أو أي دفائن أخرى”.
عمليات حفر عشوائية
أثناء وصول فريق “الغد”، وبصعوبة، إلى موقع البصيلة في الرمثا، بدت مظاهر الإهمال واضحة على الموقع، منذ بداية الطريق المؤدي إليها، وحتى الشارع العام على الرغم من أهمية الموقع التاريخية والآثارية.
فالموقع يغيب عنه اي شكل من أشكال الحراسة او الحماية، والسبب في ذلك، بعده الجغرافي، ما أتاح لـ”النبيشة” حرية ممارسة هوايتهم في التنقيب والنبش من دون أي مضايقات.
والبصيلة موقع عبارة عن مقبرة إسلامية، تقع إلى الغرب من مدينة الرمثا، ويرتفع عن سطح البحر بنحو 480م، علما بأن مدافنه تشق في الصخور بوادي الشلالة (أو وادي البصيلة)، وكل مدفن يحتوي بين 30 و70 قبرا.
وتمتاز مدافن هذا الموقع، بدقة نحتها وهندستها وجمالياتها الفنية، فكل مدفن يختلف عن الآخر من حيث طراز نحته، كما اكتشف الكثير من الهياكل العظمية في معظمها، وبعضها موجود في كلية الآثار بجامعة اليرموك.
وفي مادبا، تتعرض المقبرة الآثارية يوميا للاعتداءات وعمليات الحفر العشوائية، التي شوهت من معالمها، كل ذلك يقدم عليه “لصوص الآثار” للبحث عن كنوز ودفائن.
ورصدت “الغد” أثناء التجوال في المقبرة، بعض الأعمال التخريبية جراء النبش العشوائي والحفر في الموقع، ممن يترددون عليها بين الحين والآخر بقصد الحصول على دفينة.
وعن القضايا المسجلة في مديرية الامن العام، فتشير احدث الإحصائيات إلى أن عدد جرائم مخالفة الآثار بلغ العام الماضي 62 جريمة، مقارنة بـ112 في العام 2010، لكن هذه الارقام “لا تعبر عن واقع وحجم الاعتداءات على المواقع الاثارية”، بحسب مختصين.
القانون… الحاضر الغائب
الاعتداء على المواقع الآثرية جرم، وفق قانون الاثار العامة لسنة 1988 والقانون المعدل المؤقت لسنة 2002، لكنه اجتماعيا لا يعد كذلك، فهناك من يرى الاعتداء على الآثار مدعاة للتفاخر، بينما يرى آخرون أنه “من السذاجة التبليغ عن مكتشفات آثارية للجهات المعنية”، كما يلحظ المحامي أحمد أبو زنط.
ويجرم القانون ذاته، كل من ينقب عن الآثار، أو يتاجر بها، أو يساعد او يشارك في ذلك من دون الحصول على رخصة، يمكن استصدارها من وزارة الداخلية، بينما تنص المادة 26 من القانون، على حبس كل من يخالف القانون مدة لا تقل عن عام ولا تزيد على ثلاثة أعوام، وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار.
وتضمنت المادة 27 من القانون، حكما في غاية الاهمية، وفق ابو زنط، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهرين ولا تزيد على عامين، او بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار، وبما يتناسب مع قيمة الاثر، لكل من اكتشف او عثر على أي اثر صدفة او علم باكتشافه او العثور عليه ولم يبلغ عنه وفقا لاحكام هذا القانون.
ويلفت معنيون الى ان قانون الآثار واضح في اعتبار الدفائن والكنوز الآثارية الموجودة في الاردن “حق للدولة”، وانه يحظر على أي شخص كان، التنقيب عنها أو استخراجها حتى ولو كانت في أرضه الخاصة، لا بل إن القانون رتب على من يجدها – ولو بمحض الصدفة، التزاما مؤداه أن يسلمها للسلطات المختصة، وعند مخالفته لذلك، يعاقب المخالفون.
بدوره، بين المحامي عبدالله العبادي ان هناك جهلا وعدم معرفة بقانون حماية الآثار، مؤكدا اهمية وجود نشرات توعوية للمواطنين، تبين قيمة وأهمية الآثار.
لا توجد في قانون الآثار ثغرات، لكن الخلل الواقع في التنسيق بين الجهات المعنية، والصعوبات التي تواجه الجهات المعنية بتطبيقه، تشكل عوائق منها لوجستية، وفق العبادي.
ولفت العبادي إلى ان قانون حماية الآثار “يكون في بعض الاوقات غير مفعّل، لا سيما اذا كان ضابط العدلية على غير دراية بوجود قانون لحماية الآثار، مشيرا إلى أن البعض قد يقع في خطأ حينما ينظر إلى قانون العقوبات فقط، من دون النظر الى بنود القوانين الاخرى التي تتعلق بقانون حماية الآثار.