عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

لا تشتهوا هذه الرقصة في الأردن

بيروت على طريق بغداد؛ سيارت مفخخة، وكتائب مقاتلة تزرع الحقد الطائفي وتؤججه. مصر على طريق الجزائر؛ اقتتال أهلي دام، وحرب استئصال تغذيها نزعة مكارثية لم تشهدها مصر في عهد الاستبداد.سورية حكاية أخرى، تجتمع على شعبها وأرضها كل صنوف الموت. بعد مجزرة الغوطة المروعة، صارت الحرب الأهلية عملا مقدسا وواجبا لا بد منه؛ من يتخيل بعد الصور المروعة التي شاهدناها، سلاما وتعايشا في دمشق وحمص وسواها من مدن سورية؟! بضعة أيام أو أسابيع وتسمعون بالردود الوحشية على “مجزرة الكيماوي”. يفاقم من غضبة الضحايا موقف المجتمع الدولي الذي تعامل مع الكارثة على أنها مجرد “حادثة” تستدعي تحقيقا عاجلا.في العراق، الموت يلاحق العراقيين في كل مكان. “القاعدة” لا تريد أن تتركهم وشأنهم، وكأن عقودا من الحروب التي ابتلعت ملايين العراقيين لا تكفي! لعنة الطائفية والتقسيم تعود بقوة؛ في الشمال الكردي والغرب السني.وعلى هذا المنوال، لكم أن تتخيلوا شكل المنطقة وخريطتها كيف تكون بعد سنوات قليلة. بالنسبة لنا في الأردن، ليس بمقدرونا أن نعرف من يكون جارنا في الشمال؛ دولة القاعدة مثلا؟ ولا جارنا في الشرق؛ دولة انفصالية سُنّية، أم ماذا؟ ما هوية اللاجئين الجدد؟ بعد المليون الأول من السوريين، ننتظر مليونا آخر؛ هذا على المدى القريب. وقد نعود من جديد لاستقبال أشقاء عراقيين، ما يزال الآلاف منهم بيننا منذ الهجرة الأخيرة. ربما لبنانيون أيضا؛ فأين يذهب الفارون من حرب طائفية وشيكة، تطل برأسها من تفجيرات الضاحية وصواريخ بعبدا؟!السؤال حينها: أين نذهب نحن؟كان رهان بعضنا على تجارب الماضي لتجنب كوارث المستقبل. لكن تبين أننا لم نتعلم. بالمناسبة، ليس العرب وحدهم، بل الغرب أيضا. لم يكن أحد يعتقد أن أوروبا ستشهد حروب إبادة بعد ما عانت شعوبها من ويلات النازية والحرب العالمية الثانية، بيد أنها وقعت في الفخ مرة ثانية، وعاشت المأساة من جديد في البلقان قبيل نهاية القرن الماضي بقليل.الأنظمة الاستبدادية التي حكمت العالم العربي، وما يزال بعضها قائما، وضعت المجتمعات “بعجرها وبجرها” في ثلاجة الموتى عقودا طويلة، فجنبتها صراع الهويات، قبل أن تحرمها نفس الحرية. وما إن فُتحت الأبواب، حتى تدافع الناس لا ليبحثوا عن حريتهم، وإنما عن هوياتهم التي لم يكتب لها أن تتصارع وتتحاور في مناخات صحية، فكان لا بد أن تتقاتل. وهذا ما نشهده اليوم وإلى أجل غير مسمى.ماذا ستفعل إن وجدت نفسك فجأة وسط حفلة رقص؟ ترقص على طريقتهم؟ أعني على طريقة السوريين أو اللبنانيين أو العراقيين، أم ترقص على طريقة المصريين الأخيرة؟بيننا من يشتهي الرقص على أنغام الطائفية والإقليمية. وإن لم يكن هذا أو ذلك متاحا، فليكن على أنغام الجهوية والمناطقية. كل الهويات واردة في حالتنا الأردنية، وجميعها رقصات تنتهي بأصحابها إلى السقوط على الأرض بعد أن يترنحوا لفترة من الوقت. لا أحد يبقى واقفا كما تلاحظون.ما الخيار إذن؟ أن ننسحب من الحفلة. عندما تشعر أنك غير قادر على مقاومة رقصة الموت هذه، انسحب! ليس أمامنا في الأردن حاليا سوى التوقف عن الحركة؛ لا نريد خطوة للأمام ولا خطوة للخلف، نبقى على ما نحن ويكفي في هذه اللحظة التاريخية الصعبة. حركة واحدة غير محسوبة قد تجر قدمنا إلى الحلبة؛ ساعتها لن نخرج أبدا.
(الغد)