حمزة منصور : ليس دفاعاً عن الإخوان فقط
وضرورة، فالدفاع عن الأخوان المسلمين دفاع عن مظلومين أوجب الإسلام نصرتهم، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، واتقاءً لسخط الله الذي يحلّ بمن لا يتصدّون للظلم لقول الله عز وجل: «واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة»، فالظلم الذي لحق بالأخوان عبر أكثر من سبعة عقود، والذي يفوق الوصف، ممثلاً باغتيال مرشدهم الأول ومؤسس جماعتهم الإمام حسن البنا، وحلّ الجماعة، وتعليق قادتها ورموزها على أعواد المشانق، واعتقال مجاهديها العائدين من فلسطين، ومصادرة ممتلكاتهم، وتهجيرهم إلى أقاصي الأرض، والعمل على استئصالهم وتجريمهم، والتشنيع عليهم لا تكاد تجد له شبيهاً إلاّ في محاكم التفتيش. وقد شارك في هذه الحملة الظالمة كل أجهزة الدولة العسكرية والقضائية والإعلامية، وحتى مشيخة الأزهر بعد أن فقد الأزهر استقلاله وأصبح ملحقاً بالسلطة الحاكمة، وقد تواصل هذا الظلم في العهد الملكي، وإبّان فترة حكم العسكر، منذ بدايته وحتى ثورة 25 يناير المجيدة.
والمدقق في أسباب هذا الظلم الصارخ يجدها تكمن في موقف الجماعة من الاحتلال البريطاني لمصر، ومن القضية الفلسطينية، ومن الحريات العامة، فقد قادوا المقاومة السرية في القنال، كما قادوا المقاومة المسلحة في فلسطين وسطروا فيها ملاحم عز وفخار، وتصدّوا لحكم الفرد، وتكميم الأفواه، واستلاب حقوق الشعب، ولمعاهدة كامب ديفيد. هذا الظلم الذي لم يتعرض له فصيل أو تيار آخر في الوطن العربي بهذه الوحشية يدفع كل ذي مروءة أن ينحاز إليهم، ويتعاطف معهم، فذوو المروءة من قريش لم يستطيعوا الوقوف متفرجين على جوع الجياع، وحرمان المحرومين، وحصار المحاصرين، فتعاهدوا على تمزيق صحيفة المقاطعة الظالمة، فوجدوا الأرضة قد سبقتهم إليها، فأكلتها إلاّ عبارة «باسمك اللهم»، وهذا ما حمل جماهير الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير على الالتفاف حول الجماعة ومشروعها ومرشحيها. ولما كان الإنسان بفطرته ينفر من الظلم والاضطهاد، حتى مع المخالفين في المعتقد والقومية والوطن، بل يتعدى هذا الشعور الإنسان إلى عالم الحيوان والطير والجمادات، فمن باب أولى أن يكون التعاطف مع أخوة العقيدة والدم والوطن والمصير. ومع كل موجبات الانحياز إلى الأخوان، والدفاع عن قضيتهم، إلاّ أنّ الانحياز ينبغي أن يكون أكثر وأعمق وأشد إلى مصر والأمة والديمقراطية، فسلامة مصر مقدمة على سلامة أيٍّ من مكوناتها، ومصر ليست أيّة دولة أخرى لاعتبارات كثيرة، على أهمية كل جزء من أجزاء الأمة، شعباً وأرضاً وحضارة. والأمة أكثر أهمية من أيّ جزء من أجزائها، والديمقراطية التي افتقدتها الأمة وغابت منذ زمن بعيد قيمة عليا لا يجوز التضحية بها بكل ما تمثّله من حرية وعدالة وكرامة وإنسانية واحتكام إلى إرادة الشعب.
ولئن كان ألمنا عميقاً لما أصاب جماعة الأخوان المسلمين في مصر لما تمثّله من رشد وعقلانية ومرونة وحرص على مصالح الشعب والأمة، ولما لحق بها من ظلم على الصعيدين الفردي والجماعي، فإنّ ألمنا أكثر عمقاً وأشدّ وقعاً على ما دهى مصر من ردة إلى العهد البوليسي، ومن خسائر بشرية ومادية ومعنوية أصابت كل بيت من بيوتها، فأصبحت الخاسر الأول من هذا الانقلاب. ويوازي هذا الألم والحزن ألمنا وحزننا لما حلّ بالوطن العربي بمجموعه، الذي كان يؤمل له بعد الربيع العربي أن يضع قدميه على بداية سلم النهوض إلى المستوى اللائق بأمة ذات حضارة ومقومات مادية ومعنوية، وقد فقدت قضايا الأمة الرئيسية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية أقوى سند لها في مواجهة أشرس احتلال. ولا يقلّ عن ألمنا على مصر والأمة ألمنا على ديمقراطية وليدة انطفأت في مهدها على يد أعداء الديمقراطية، وكان يؤمل أن تتطور الديمقراطية وتتجذر في الأرض العربية، التي عاشت عقوداً إن لم نقل قروناً في ظل حكم الفرد والعسكر جعلت الأمة في ذيل القافلة، فبعد الانقلاب الدموي الغادر تحرّكت قوى طامعة في أكثر من قطر للارتداد عن ديمقراطيتها والعودة إلى عهود الفساد والاستبداد. كما ازداد تعنت دول عربية أخرى على الإصلاح مستقوية بما حصل في مصر ومن قبلها في سوريا.
ولئن كان استنكارنا وإدانتنا شديدين لهذا الانقلاب الدامي، وللفظائع التي ارتكبت بحق رموز الجماعة وقادتها والمدافعين عن الشرعية من شرفاء مصر، فإنّ استنكارنا وإدانتنا أشدّ لما لحق مصر والأمة حيث يكاد العرب يجمعون على أنّ مصر زعيمة العرب ورائدة نهضتهم المرجوة، فالأمة تصحّ بصحة مصر وتعتلّ باعتلالها، فإذا كان هناك من شارك في الانقلاب والدماء والخراب، أو ساند أو سكت لأسباب حزبية أو فئوية أو لحسابات مصلحية فإنّ مصلحة مصر والأمة والديمقراطية تحتّم عليه أن يعيد النظر في مواقفه، فالمصالح العليا للأمة مقدمة على كل المصالح والحسابات «واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون».
حمزه منصور * أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي