الرؤساء العرب الخمسة … المجانين
مرض البارونيا كونهم لا يريدون ان يواجهوا حقيقة انفسهم.
كتاب «المجانين في سدة الحكم» سينشر في 14 يونيو 2013، ويعتبر «ان الربيع العربي نقطة تحول في التاريخ العربي، الذي أعطى المحتجين الشباب الزخم لتحدي الانظمة الديكتاتورية القائمة والراسخة للمرة الأولى، والمطالبة بالديموقراطية».
ويقدم هذا الكتاب «نظرة نفسية وتاريخية في الاجراءات والاستجابات من الطغاة المخلوعين وينظر اليها من وجهة نظر نفسية سريرية فريدة من نوعها».
في هذا الكتاب الفريد من نوعه، تستعرض الكاتبة الأميركية التركية الأصل موريال ميراك وايسباخ الكتابات المتخصصة وتقدم لمحة عن اضطراب في الشخصية النرجسية المعروضة لدى خمسة من القادة هم (حسني مبارك، معمر القذافي، زين العابدين بن علي، علي عبد الله صالح وبشار الأسد)، واشارت الى وجود صلة لشخصيات هؤلاء القادة بجنون العظمة، والهستيريا، واعتلال اجتماعي.
وفي الاشارة الى طريقة استجابات هؤلاء القادة للتحديات التي واجهتهم تبين انهم كانوا غير قادرين نفسيا على مواجهة الواقع، وعرضت الكاتبة بالفعل الأعراض المرضية كالتشبث في السلطة بتعصب في مواجهة التمرد».
ودرست الكاتبة «سلوك كل من الزعماء الخمسة خلال الاضطرابات كما عبرت عنها تصريحاتهم العلنية، والخطب والمقابلات ومسارات العمل. وبالتالي فان الكاتبة حددت انماط التشابه في السلوك التي تعمل على اثبات ان كبار السن من الرجال بوجههم الجامد في السلطة يشتركون في انواع السمات المرضية المحددة في ردودها على الظروف السياسية والثقافية التي تواجدوا فيها».
وذكر الكتاب انه لـ«فهم سلوك القادة السياسيين العرب الذين طعنوا من قبل في مطالب التغيير الاجتماعي والسياسي، لا بد من اجراء الفحص السريري للاضطرابات الشخصية النفسية الحالية لخمسة من الرؤساء. مبارك والقذافي وآخرون.
هذه الشخصيات تمثل أيضا «5 انواع» في أدبيات التحليل النفسي المهنية ذات الصلة. خمس حالات من قادة هذه الدول العربية تجاوزتها الثورة، ونحن على الأرجح نتعامل مع عدة انواع مختلفة من اضطراب في الشخصية: من نرجسي الى جنون العظمة»، تقول الكاتبة.
ونسرد بعض مقتطفات الكتاب «منذ العمل الرائد في التحليل النفسي الذي قام به سيغموند فرويد، كان هناك عدد كبير من الدراسات المهمة التي نشرت حول مختلف جوانب هذه المسألة المعقدة. التحليل النفسي قام بتوثيق تجربتهم السريرية مع حالات النرجسية، وجنون العظمة، والهستيريا والمرض العقلي – جميع الظواهر ذات الصلة بشخصيات سياسية تمت دراستها هنا – وتحقق بعض الباحثين بشكل مباشر من ظهور مثل هذه الاضطرابات النفسية في معترك الحياة السياسية. هذا المجال من البحوث، والمعروفة باسم «الدراسات النفسية والتاريخية» و«التحليل النفسي التطبيقي» يسعى لتوظيف فهم هياكل السمات المرضية لحالات محددة من القيادات السياسية».
«انوي الاستفادة من نتائج هذه الدراسات وخاصة النهج التحليلي الذي اعتمد لدراسة سلوك مختلف رؤساء الدول في العالم العربي خلال الثورات الأخيرة. وتعتمد هذه الدراسة على وقائع الأحداث، وتركز على الاجراءات والخطب والتصريحات العلنية من أطراف النزاع بالاضافة الى الأحداث الدرامية. وتمت دراسة معلومات أساسية عن شخصيات سياسية فردية، ولا سيما في ما يتعلق بتاريخها وتاريخ أسرها، وتجارب الطفولة ومستوى وظروف تعليمها وتدريبها، التي تمثل أهمية قصوى في فهم نشأة علم الأمراض في السلطة»، يروي الكاتب.
شخصيات هيستيرية تتوهم الشباب الأبدي في السلطة
«الهستيريا صفة تحتمل التشابه بسمات الهستيرية (المشار اليها في الآونة الأخيرة على انها شخصية متكلفة)، وهذه الصفة تدل على اضطراب نفسي تمت دراسته في العمق من قبل المحلل النفسي فريتز رايمن. العديد من رؤساء الدول العربية المخلوعين تتفق شخصياتهم مع هذه السمات التي تخشى وترفض أي شيء فيه حتمية، ضرورة قد تحد من الوهم من كونهم يمتلكون القدرة الكلية».
«الذي يعاني من الهستيريا السريرية سوف يكافح من أجل درء التغير الفيزيولوجي الطبيعي، كالتقدم في العمر على سبيل المثال. لهزيمة الشيخوخة، بعض الرؤساء العرب يلجأون الى الجراحة التجميلية أو صبغات الشعر، كما في حالة القذافي، ومبارك وزين العابدين بن علي، على التوالي».
و«في مواجهة تلك النهاية الحتمية وهو واقع لا مفر منه في حياتنا، وهي في الواقع الشيخوخة والموت، وصاحب الشخصية الهستيرية سيتسم بمحاولة الحفاظ على أطول فترة ممكنة على وهم الشباب الأبدي وفكرة مستقبل كامل لا يزال أمامهم متيحا لهم جميع انواع الفرص. وفي حالة بعض السياسيين العرب التي هي قيد النظر هذا المفهوم يلقي الضوء على اصرارهم على الرئاسة في فترة حياتهم المتبقية، واعادة كتابة الدساتير لجعل ذلك ممكنا. يبدو الأمر كما لو انهم تمسكوا باعتقاد شبه خرافي يعني انه لطالما ظلوا في السلطة حتى الموت لا يمكن ازالتهم».
الشخصيات الهستيرية، عندما تتعرض للهجوم، ستحاول قلب الطاولة على مهاجميهم، وغالبا ما تلجأ الى نظريات المؤامرة. وهكذا، في حين خرج متظاهرون الى الشوارع بشكل جماعي ضد الرئيس المصري، قال امام وسائل الاعلام الرسمية الصادرة ان محرضين من الخارج والأجانب والارهابيين قاموا بزرع الفتنة، بينما ادعى القذافي ان تنظيم القاعدة قد وزع عقاقير الهلوسة للشباب الليبي وأطلق العنان لهم ضد سيدهم الخير، فيما أكد علي عبد الله صالح ان مركز القيادة في تل أبيب الذي قام بتدبير المظاهرات في صنعاء، وان القيادة الاسرائيلية كان تتلقى تعليمات من واشنطن، وجاءت ردود فعل بشار الأسد متناسقة مع هذا الخط.
يكتب ريمان انه عندما يدرك الفرد تقصيره والشعور بالذنب، فهي مناسبة ليصبح «عدوا» بشكل خاص لمثل هذه التوقعات».
«هذه الميزة تمثل حاجة نرجسية لتعريف صورة العدو، الذي يمكن تعريفه بانه مصدر كل التهديدات. ومثل نرجسي، وشخصية هستيرية تسعى لشكل من أشكال الدفاع في تمجيد الذات. هذا الميل ينم عن انعدام الأمن بين هوية المرء الحقيقية وهوية المرء يفترض ان تكون في الواقع. مثل هذا كان واضحا في التصريحات العلنية من قبل الحكام المحاصرين الذين لعبوا حتى على مآثر ماضيهم وخدمتهم للوطن باسم «أبو الأمة» أو «أبطال العسكرية». في قضيتهم، المكتب أو الكرامة..هي فرصة لزيادة بريق شخصيتهم وهذا هو سبب التفاخر بالميداليات والألقاب التي تعطيهم جاذبية خاصة لهم».
«هناك ظاهرة أخرى ينبغي النظر فيها هو ان هذه الشخصيات تعاني من اضطراب في الشخصية التي تصبح معادية للمجتمع. الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب، لديهم أشكال أكثر تطرفا ويشار الى مثال المنبوذين في المجتمع أو المرضى النفسيين، ولكن دمج النرجسية الى هذه الشخصية تعرض عدة سمات اضافية، من أبرزها عدم وجود الصدق أو الكذب المرضي. ما يجعل وفقا لهذه السمات من الصعب تشخيص الشخصية على اساس مظهر سطحي لحياتهم الطبيعية وفقا للدكتور هيرفي كليكلي، الذي حقق في هذه الاضطراب في العمق. المعتل اجتماعيا في أكثر الأحيان يبدو متفوقا، ويمكن ان يكون ساحرا للغاية واجتماعيا. يبدي ودية في موقفه، ومن السهل التحدث معه ويبدو ان لديه العديد من المصالح حقيقية جيدة. لا يوجد شيء على الاطلاق غريب أو عليل عنه.
والحقيقة انه يبدو متكيفا لذلك اي شخص سعيد.
وقال كليكلي ان حامل هذه الشخصية لا يحمل أي علامات على التفكير غير العقلاني، والاوهام أو العصبية، ويبدو ان لديه مشاعر عادية عندما يتحدث على سبيل المثال عن أسرته».
وقد يظهر المتصف بالمعتل اجتماعيا بـ«قناع التعقل» او «العقل المرضي» وتتميز شخصيته بالنفاق:
انه يظهر تجاهلا ملحوظا من أجل الحقيقة ويمكن الوثوق به، فلا يظهر حساباته المستخلصة من الماضي ولا وعودة للمستقبل أو يمكن فهم نواياه في الحاضر». يمكن ان ينظر الى شخص آخر، او الى كاميرا تلفزيونية أو قاضي محكمة على سبيل المثال وينظر في عين الشخص ويقول كذبة جريئة.
انه يميل نحو السلوك المعادي للمجتمع، بما في ذلك أعمال عدوانية من العنف، ولكن الذي سوف ينتج عن تلك الفعال لا معنى لها عنده سواء عار أو أسف. وليست لديه القدرة على التعاطف العاطفي، وبالتالي يمكنه الانخراط في قتل حتى أعداد كبيرة من الناس الأبرياء دون الشعور بالندم».
«على الرغم من ان تهمة الكذب موجودة في شخصيات المخلوعين العرب الا انها لم تتم ملاحظة اي علامة واضحة من خلال دراسة سطحية للشخصيات باستثناء واحد هو بشار الأسد، الذي استحق سلوكه في الماضي خلال حركة الاحتجاج السورية دراسة متأنية من هذا المنطلق. ورغم ذلك، ردا على الاحتجاجات الأولى، وعد باصلاحات والغاء قانون الطوارئ، وامر نظامه في وقت واحد عبر قوات الأمن بفتح النار على المتظاهرين، مما ذكر بشبح والده، الذي كان مسؤولا على 30 الف حالة وفاة في مدينة حماة عام 1982».
بن علي وزوجته.. زوجان يشتركان في النرجسية
عندما يتعلق الأمر بدراسة العلاقات الشخصية، فان الاضطرابات الشخصية، خصوصا النرجسية تلعب دورا بارزا في هذا المجال. اذا كان نرجسيا يجد شريكا يروق له، ويقال انه لا علاقة لهذا الشخص بالحب أي انه شخص منفصل بل شخص يعكس غروره كما لو ان شريكه كان امتدادا لـ«اناه» الخاصة، وبالتالي يحب بالتمجيد الذاتي والتمجيد المتبادل. ويمكن ان تأتي شخصيات نرجسية معا في شراكة، كما كانت الحال من سلوبودان ميلوسيفيتش وزوجته ميلة، على سبيل المثال، أو زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي في كثير من الأحيان يصبح «زواج قلعة» يتحول الى «عدائية متبادلة» ويتم توجيه هذه العدائية الى الخارج ضد أشخاص آخرين أو جماعات أو جهات عالمية. لا يزال الزواج حصنا مستقرا بالنسبة لهم، وفي كثير من الحالات، زوجات القادة أكثر نرجسية من ازواجهم».
«لا يولدون نرجسيين، فان النرجسية مصنوعة الى حد كبير نتيجة لنوع من التنشئة الأسرية والأعراف الثقافية الأوسع. فالطفل الذي لديه علاقة غير صحية مع الأم والأب (اما كسر ارادة الوالدين للطفل أو على العكس الطفل يسيطر على الآباء) قد يكون مرشحا لعيش مشاكل نفسية خطيرة وفي كلتا الحالتين، ستكون رغبة الطفل للسلطة من أجل السلطة، للتعويض عن الظلم الواضح».
«الأطفال الذين تعرضوا لمثل هذه الصدمات يميلون الى ان يكونوا «منعزلين» أو كـ«فراخ البط القبيح» الذي لا يحتفظون بكثير من أصدقاء المدرسة. ينجذب بعضهم الى السياسة في سن مبكرة وعندما يصبحون قادة يسعون الى اشباع شعورهم بالوحدة وعدم الحب. استخدم على سبيل المثال القذافي وعبد الناصر الوقوف على كرسي وتكرار الخطب التي يلقيها لاقناع زملائه في المدرسة. هؤلاء الأطفال في كثير من الأحيان لديهم القدرة على اختلاق قصص حول مغامرات البرية كوسيلة لجعل انفسهم مهمين ويحافظون على هذه القدرة في مرحلة البلوغ. يمكن لمعظم النرجسيين ان يصبحوا مدمنين على الكذب بشكل واعٍ. قد يتحول الأطفال الآخرين الى النرجسية كوسيلة للتعويض عن عقدة النقص بسبب مادة حقيقية أو متصورة أو الاعاقة الروحية. البدايات المتواضعة جدا قد تكون كافية لتؤدي الطفل الى السعي بشكل الزامي الى الحصول على مكانة خاصة في المجتمع، كوسيلة للانصاف من حالة الفقر على سبيل المثال. ومن الأمثلة الشهيرة من النرجسية النابعة من الاعاقة الجسدية هو نابليون بونابرت».
الكتاب… دراسة في شخصيات الرؤوساء العرب وتاريخهم الشخصي وطفولتهم
و«لكن نحن لا نتعامل فقط مع شخصيات منفصلة، وتاريخها الشخصي والمهني. فهي جزء لا يتجزأ من قالب ثقافي شهدت تأثير قوى خارجية ساهمت في تشكيل الواقع العربي. كان الكثير يروج ان الوحدة العربية وهم، ويرجع ذلك الى حد كبير الى تقرير من القوى العظمى لسحق تلك الوحدة».
«بعد أربعة قرون تحت الحكم العثماني، سعى العرب الى الاستقلال في وقت الحرب العالمية الأولى، ولكن تم التلاعب بهم من قبل القوى الأوروبية التي تظاهرت انها تدعم تمردهم. وقعت فرنسا وبريطانيا اتفاقا سريا سمي باتفاق سايكس بيكو لتقسيم الأراضي الغنية بالنفط بينهما، وعلى الرغم من السرية تم كشفها بواسطة السوفييت، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى.
وقد لعب الايطاليون دورا رئيسيا في عام 1969 لتحقق انقلاب القذافي وكذلك في استيلاء زين العابدين بن علي على السلطة في عام 1987. على الرغم من ان حالة عبد ناصر لا تنسجم مع هذه الفئة، أصبح خليفته انور السادات حليفا حاسما للولايات المتحدة عن طريق معاهدة كامب ديفيد للسلام مع اسرائيل، ومنذ ذلك الوقت تعتمد مصر على أموال الدعم الأميركي. تمتعت اليمن بدعم خارجي في حربها ضد الارهاب، وكانت سلالة الأسد تلقى الدعم من الغرب دون تمحيص كحصن للاستقرار في الشرق الأوسط غير المستقر تاريخيا. تدخلت القوى العظمى وهي بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا في التكوين السياسي الجديد الذي لا يجب ان التقليل من شأنه».
«على الرغم من توفر الحافز للدراسة الحالية للثورات العربية من 2010 الى2011، بالاضافة الى دراسة تحليلات واستنتاجات لا تقتصر على تجربة القادة العرب الخمسة. قدمت الدراسة التي تضمنت هذا الكتاب في شكل بوستسكريبت اي اشارة موجزة الى حالتين من النرجسية اثبتت عند الساسة الأميركيين المعاصرين. من ناحية، هناك جورج دبليو بوش، الذي ينم عن علامات لا تمحى من اضطراب في الشخصية الحادة تمت ملاحظته خلال فترة حكمه لمدة ثماني سنوات. وبما ان الدراسة السريرية من قبل الدكتور جوستين فرانك موثقة بالتفصيل، وكان الرئيس الأميركي يعتبر من المضطربين عاطفيا، ولا ينبغي أبدا ان يكون قد سمح لوصوله الى هذا المنصب الرفيع في الولايات المتحدة. الدكتور فرانك، وهو طبيب نفسي وأستاذ علم النفس في جامعة جورج واشنطن، يستند في عمله على تحليل التصريحات العلنية من قبل بوش، ينظر اليها في ضوء تجربة طفولته المشابة بصدمات نفسية».
إعداد عماد المرزوقي-الرأي الكويتية