حزب التلفزيون
أطلق المصريون اسم حزب الكنبة على الأكثرية الصامتة التي قررت أن تتفرج على المشهد السياسي دون أن تكون طرفاً فيه، وفي الوطن العربي ثمة حزب هو الأكثر عدداً بعد حزب العاطلين عن العمل والذي لم يُنتخب حتى الآن أمينه العام، هذا الحزب هو حزب التلفزيون، أخطر الاختراعات في العالم الثالث، والذي اذا أصابه عطب في احدى الليالي يتحول البيت الى زنزانة، مما يضطر الذين أدمنوا الصمت والاصغاء الى صندوق العجب أن يحاولوا تغطية الفراغ والضجر وفقدان عادة الحوار والسمر الى التظاهر بالجوع بحيث يروحون ويغدون بين المطبخ والحمام.
حزب التلفزيون أيضاً بلا أمين عام لأن أمانته العامة هي أعضاؤه جميعاً ولديهم ديمقراطية صامتة، قرروا من خلالها أن يجلسوا أمام الصندوق كلما اشتعل بلد عربي أو قامت اسرائيل بعدوان شامل، والاختلاف الوحيد الممكن حدوثه بين أعضاء حزب التلفزيون أو صندوق العجب هو حول القناة اذا كان موعد المسلسل قد أزف.
فقد تقول ربة البيت أنها شبعت وملت من السياسة ومشاهد الموت، وهي في الحقيقة تتابع مسلسلاً لا يهمها من حلقاته غير تسريحة الشعر للبطلة أو علاقتها بحماتها أو ما يتعلق بالغيرة وأمراضها المزمنة.
في الحرب على العراق ولبنان وغزة بلغ عدد أعضاء الحزب أكثر من خمسين أو ستين مليوناً، ثم تضاعف العدد في احداث سورية ومصر وتونس وليبيا، وحصل استبدال للدراما، بحيث لم تعد المسلسلات من صناعة سينارست محترف يتلاعب بمصائر الشخوص، وتحولت الى دراما تبث بالدم الحيّ، وقد يذكر اسم المخرج على الشاشة، لكن السينارست مجهول، وهذه الدراما البديلة أكثر تشويقاً من كل المسلسلات، لأن المفاجآت في حلقاتها القادمة لا يستطيع أحد التكهن بها.
ان أكبر وأهم حزبين الآن في العالم العربي بعد أن اجتثت أحزاب واستقالت أخرى هما حزب العاطلين عن العمل وحزب التلفزيون، ولكل منهما برامجه، وحواراته ومسلسلاته التراجيدية والكوميدية.
حزب التلفزيون يتشبع بما يتابع حتى تمتلىء عيون أعضائه بالنعاس، ويذهبون الى الفراش وهم على موعد مع كوابيس لا أول لها ولا آخر.
وحزب العاطلين الذين بلغ عدد أعضائه عشرات الملايين تليق بأعضائه مسرحية واحدة لا معقولة، هي مسرحية بانتظار غودو لصاموئيل بيكت، ففي هذه المسرحية لا شيء غير الانتظار العقيم!!