شاعر الفصول..
أصواتنا الحادة المرتجفة تشغل طقس الصف..(ماما ماما..يا انغاما ..تملأ قلبي..بندى الحب..انت نشيدي عيدك عيدي..بسمة أمي سر وجودي) ..سليمان العيسى ..
سليمان العيسى..خازن الذكريات.. ووكيل الطفولة الحصري..و”شاعر الأبجدية الأولى”..أنفاسه كانت مخبأة بين طيات الورق البكر، وصفحات الكتب المزركشة بأغصان الربيع وأجنحة الفراشات ، عطر كلماته ممزوج برائحة المطابع و”خشب” أقلام الرصاص المبرية على عجل..رحل ثاني أيام العيد عن الدنيا بهدوء بعيداً عن الضجيج..تاركاً خلفه ملايين الحناجر التي هتفت على مدار عشرات السنين “بفلسطين داري”..” ويا الهي يا الهي..يا مجيب الدعوات”..و”عمي منصور النجار”..
سليمان العيسى الذي علّمنا..ان فلسطين درب الانتصار..في حين كانت كل الأنظمة العربية ترمي الهزيمة على بعضها بعضاً مثل كرة النار او كرة العار..سليمان العيسى علمنا ان “فلسطين هي الدار “..في وقت كان يُمدّ شرشف التفاوض على طاولة الانكسار…سليمان العيسى هو الذي علمنا ان ثمة “وجوه غريبة بأرضي السليبة”..غير آبه بكل أغصان الزيتون المزيفة التي تلقى على نعوش الشبيبة…
**
في ذلك الزمن الجميل..كانت الكتب روزنامات الفصول و للدروس مواقيت شهية..فمثلاً عند حلول الخريف وفي الصفحات الأولى من كتاب الصف الأول الابتدائي : كنّا ننشد للراحل سليمان العيسى.. (ورقات تطفر في الدرب…والغيمة شقراء الهدبِ..والريح أناشيد..والنهر تجاعيد.. الفصل خريف..سليمان العيسى) يا الله كم كانت تأسرني هذه النشيدة وأنا أرى أوراق العنب الصفراء المتساقطة على الأرض وعلى كتابي…حيث كانت تسري قشعريرة الغروب على ذراعي كلما رددتها وقت الغروب قرب أمي وهي تنقل حطب الطابون الى داخله…أما في تشرين..فكنا ننشد (مطر مطر ..بالنعمة انهمر..) وفي كانون نحفظها عن ظهر قلب ( يا ذرات الثلج انهمري ..غطي وجه الدرب..الآن ساكتب تمريني.. وأخرج للّعب)..وغيرها الكثير الكثير..
في ذلك الزمان كان الوطن طفلاً مثلنا ينشد معنا ويشتاقنا…وينام في دفاتر تحضير المعلّمين وفي قبّعة سليمان العيسى…
شاعرنا الطيب يا من صنعت لنا الفصول كلمات… لم نكن نعرف أن أعمارنا أيضا ورقات تطفر في الدرب..شاعرنا الطيب العظيم..نم في سكينة وسلام.. فذكراك “ظفرت” بالدربِ كل الدرب..
احمد حسن الزعبي