0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

كلام في نتائج الثانوية العامة

صدرت نتائج الثانوية العامة أو التوجيهي للدورة الشتوية في موعدها ووفق إعلان وزارة التربية والتعليم المُخطط له، وإصدارها إلكترونياً في الرابعة فجراً ويوم عطلة السبت ربّما يكون الوقت الأنسب للإعلان عنها، وهذا العام للأمانة جو الامتحان والحديث فيه بين الطلبة والأهل بات مريحاً نسبياً، فالأسئلة من المنهاج ويضبطها التوزيع الطبيعي في السهولة أو الصعوبة وحتى مستوى استثارة التفكير فيها، فنسب النجاح وتحصيل الطلبة بالامتحان يمثلان مخرجات التعليم العام لفترة دراسة الطلبة الممتدة لاثني عشر عاماً في المدارس، والتي ساهم فيها الطالب والمدرس ووزارة التربية والتعليم والاهل والبيئة التعليمية والمناهج.
أبارك من سويداء القلب سلفاً للطلبة الناجحين وخصوصاً المتميزين منهم وأشدّ على أياديهم كنتيجة وثمرة لتعبهم وكدّهم وسهرهم وإدارتهم لوقتهم، وأمّا الذين لم يحققوا تطلعاتهم أو سيكبون في الإمتحان فأقول لهم ولاهليهم بأن ذلك سواء بالحصول على المعدل الاقل من التوقعات أو الرسوب لا سمح الله ليس نهاية المطاف أو نهاية الحياة، ولكلّ جواد كبوة وسيتم التعويض لاحقاً، وربما يكون هذا درسا لبداية النجاح في مسيرة حياتكم! وكما كتب معالي الأخ الدكتور عمر الرزاز عبر مواقع التواصل الإجتماعي وموقعه على التويتر –بما معناه- فالأهم هو الاهتمام بأبنائنا وصحتهم النفسية أكثر من تحصيلهم في حال كبوتهم لا سمح الله تعالى.
فالإجراءات التصحيحية الأخيرة التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم من حيث المحافظة على بيئة تعليمية طبيعية دون إرهاصات أو ضغوطات وكذلك بيئة الإمتحان المثالية وغيرها من العمليات ساهمت دون شك في إعادة هيبة الثانوية العامة لمسارها الصحيح من حيث دقّة العلامات وأهميتها وضبط الامتحان وإهتمام الاهل والطلبة، لكن ما زال هنالك حاجة ماسة لربط الحزم التعليمية بالتخصصات الجامعية وسوق العمل وغيرهما.
وأؤكد هنا بأن التحصيل الدراسي للطلبة ليس وليد عام الثانوية العامة فقط؛ لكنه نتيجة تراكمية لفترة دراستهم في المدرسة طوال إثني عشر عاماً، لذلك فعنصر المفاجأة لا مكان له في التحصيل الدراسي، والتمّيز في الحياة لا يكون بدراسة الطب أو الهندسة او الصيدلة لوحدها لكنه يتحقق بالرغبة والاتقان لاي تخصص يختاره الطلبة أو يكون من نصيبهم ويبدعون فيه، وربما بالمواءمة مع حاجات سوق العمل.
فالتوجهات الجديدة لوزارة التربية والتعليم لضبط جودة العملية التعليمية وبيئتها الحاضنة ومخرجات التعليم العام إيجابية وخصوصاً في مسائل جودة الامتحانات واقتصار مسارات التعليم العام الاكاديمي على مسارات معينه، لكن المسائل التربوية والتركيز على الدراسات الميدانية والتفكير الإبداعي وحل المشكلات ومهارات الإتصال وبناء الشخصية الطالبية بحاجة للمزيد.
نتطلع لان نصل لمرحلة أن يصبح امتحان الثانوية العامة كأي امتحان دون أن يكون كابوساً للأهل وللطلبة، وإن كنّا قاربنا على ذلك، وبالطبع لا يمكن أن يتم ذلك إلّا إذا تم تخفيض نسبة أهميته لدخول الطالب للجامعة وتوزيع درجاته على المرحلة الثانوية كافة وإجراء امتحانات قبول جديدة في الجامعات وإجراء القبول المباشر بالجامعات تعزيزاً لاستقلاليتها وإيجاد مبدأ السنة التحضيرية لاختيار رغبات الطلبة أسوة بما سيجري في كليتي الطب وطب الأسنان في جامعتي التكنولوجيا والأردنية وتوجّهات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الصائبة في ذلك.
نعم، لقد نجحت وزارة التربية والتعليم بعدم إرباك الطلبة وأهليهم ومحبيهم حول موعد الثانوية العامة، إذ إن حالة الارباك للموعد تم تجاوزها وبات الطلبة يعلمون بموعد صدور النتائج، فالشفافية أصبحت سمة ناجحة في ذلك، ودعوة للأهل والطلبة لعدم المبالغة في احتفالات الافراح في حال النجاح وعدم المبالغة في الحزن لدرجة الاحباط في حال الرسوب أو عدم تحقيق الطموح، فالوسطية والاعتدال في المشاعر والمظاهر مطلوبة، والوقوف لجانب أبنائنا الطلبة هو المهم للحفاظ على صحتهم النفسية.
وحيث إنه من المفروض أن تمثّل نسب النجاح وتحصيل الطلبة في نتائج الثانوية العامة –والتي لن أدخل فيها في هذه المقالة- المخرجات والمؤشرات الأساسية للتعليم العام وسياسات التعليم لفترة دراستهم الممتدة لاثني عشر عاماً في المدارس، والتي ساهم فيها الطالب والمدرس ووزارة التربية والتعليم والاهل والبيئة التعليمية والمناهج، فإنني شخصياً أعتبر نتائج الثانوية العامة كالموازنة العامة للدولة يجب أن تتضمّن برامج وسياسات وإستراتيجيات سياسية واقتصادية واجتماعية مرتبطة بها ومؤشرات أداء واقعية وليس مجرد أرقام ونتائج ونسب.
فإصلاح التعليم بشقيه العام والعالي أولوية وطنية لطالما نادى بها جلالة الملك المعزز وكان آخرها بالطلب المباشر من الحكومة إبان خُطب العرش السامية في افتتاح الدورات المتتالية لمجلس الأمة وخطابات التكليف السامية للحكومات المتعاقبة، لكننا ما نلمسه على الأرض من الحكومة في هذا الصدد هي خطوات لبعض الوزراء لا تندرج وفق سياسات أو استراتيجيات بل إجراءات إدارية لضبط الامتحانات والتأشير لبعض الإصلاحات المستقبلية والتي ربما تكون بعيدة المنال! ولكننا الآن بدأنا نلمس بعض الإجراءات الإصلاحية الحقيقية في المدخلات والعمليات والمخرجات التربوية، ونتطلّع للعام القادم بتفاؤل أكثر صوب إصلاحات حقيقية وبنيوية في مسارات التعليم وآليات الامتحان والتكاملية بين شقّي التعليم العام والعالي وبناء الشخصية الطالبية وغيرها.
فالتعليم بشقية العام والعالي مفاصل مهمة ومضيئة في مسيرة الدولة الأردنية، لأن فيه استثمارا للقوى البشرية التي فوق الأرض، وهذا الاستثمار هو بترول الأردن؛ لأننا ببساطة لا نمتلك الموارد الطبيعية بل الموارد البشرية الكفؤة والمدربة والتي هي رأس مالنا الحقيقي، وأثبتت الأيام ذلك، ولولا جودة التعليم لما انتشر الأردنيون في سوق العمل الإقليمي والعالمي.  والتوجيهي الأردني كان –وسيبقى بحول الله تعالى- مؤشر الجودة العادل للتعليم؛ لأنه يشكّل الرابط بين مخرجات التعليم العام والتعليم العالي، وهو الذي يحدد توجهات الطلبة التعليمية وميولهم ورغباتهم، وهو منارة تربوية وطنية تشكّل مفصلاً رئيساً في حياة الشباب صوب الدراسة الجامعية ورسم ملامح مستقبلهم. ولقد حقق الطلبة الأردنيون إنجازات تراكمية ومراتب متقدمة يشار لها بالبنان في الجامعات الأردنية أو العربية أو الأجنبية بين أقرانهم من خريجي المدارس العربية أو الأجنبية الأخرى، وبالطبع فان طلبة الجامعات وزملائي أساتذة الجامعات التي تحوي جنسيات مختلفة يلمسون ذلك بوضوح وبشفافية مطلقة؛ ما يؤشر على أن منجزنا التربوي بخير وسمعته العالمية مرموقة وجودته عالية في خضم العولمة والعالمية والتنافسية التي نعيشها في هذه الأيام، لكن المطلوب هو المحافظة على هذه الجودة والسمعة الطيبة والرًقي بها والتنافسية للألفية القادمة دون اعتبار الإجراءات والسياسات التي سنتخذها للوصول إليها بأنها مرعبة أو فوبيا حكومية.   
وأخيراً، فإن توجّهات وزارة التربية والتعليم على الأرض سديدة وفي الاتجاه الصحيح، وتسعى كي لا يشكّل التوجيهي كابوساً للطلبة وأهاليهم ومحبيهم، والمطلوب مزيد من الإصلاحات التي ستساهم في تطوير بيئة العمليات والمخرجات التعليمية، ليكون الأردن مركزاً إقليمياً لا بل عالمياً قويماً ومِحجاً للتعليم وفق الرؤى الملكية السامية. د.محمد طالب عبيدات