ظهر الاردن المكشوف
مؤلم جدا ما تعرض له الابرياء في مصر،في ميدان رابعة العدوية،من استهداف المدنيين الاسلاميين،ومقتل العشرات وجرح الآلاف،فوق ما جرى في الاسكندرية،وكأننا في حرب اهلية،حتى لا نبقى نتحدث عن احتمال اقتراب موعدها،فمقتل المصريين على يد المصريين كارثة كبرى،لا يقبلها الا كل خوان او شامت بلا ضمير او شرف.
هنا في الاردن لسنا بمعزل عن دول الجوار،وإذ تتأمل الجغرافيا،يتضح ان الاردن محاط من كل الجهات بطوق من الفوضى،والدمار،والاقتتال والاحتلالات،شمالا حرب اهلية سورية،وفوضى دموية،جنوبا،حرب اهلية وانزلاق للجيش في صراع سياسي دموي في مصر،غربا احتلال اسرائيلي بشع،ودماء لم تجف،واطلالة محتملة لمواجهات دموية،وشرقا يأتينا العراق ومذابحه وتفجيراته والصراع المذهبي واحتمالات التقسيم،وبقايا الاحتلال الامريكي،ويد ايران في كل زاوية وتحت كل حجر فيه.
البلد محاصر بشكل واضح،من كل اتجاهاته الجغرافية،ونصيب الاردن ان يقع بين اهم ثلاثة حاضنات عربية تاريخية عمرها الاف السنين،الشام وبغداد والقاهرة،وهذه حاضنات تتعرض لتدمير اقتصادي واجتماعي وسياسي،واعادة تعريف لمكوناتها بطريقة لا تخلو من الدم والثأرية والانتقام والكراهية،فلا تعرف كيف سيدير الاردن وجوده وسط هذا الحصارغير المسبوق،وكل هذه البلاءات في دول الجوار؟!.
تجنب صناعة الازمات امر مهم جدا،لمنع نقل الفوضى الى الاردن،وصناعة الازمات كارثة خطيرة على البلد،ولا يحتمل بنيان البلد اي صناعة لأزمات تحت اي عنوان سياسي او اقتصادي او اجتماعي،والمبالغة في توصيفات قوة الداخل الاردني،قد تأخذنا ذات لحظة الى مفاجآت سلبية،دون ان يعني ذلك وصف حالنا بالهشاشة المطلقة،برغم عدم غيابها كليا من جهة اخرى.
صناعة الازمات امر ممكن وسهل،والموضوع لا يخضع للفتوى ولا للتنظير،غير ان كل الاطراف السياسية في الاردن مطالبة بتجنب صناعة الازمات،فالحكومات اولا مطالبة بالتنبه الى هذا المناخ السلبي،وتنفيس كثير من الاحتقانات،وعدم الركون الى ذعر الاردنيين من فوضى الجوار للاستفراد بالمواطن هنا وتمرير القرارات الصعبة،او عدم الوقوف عند رغبات الناس من محاربة الفساد والا صلاح السياسي وغير ذلك،وهذا ركون انتحاري رأيناه في دول اخرى،ورأينا.. اين جر هذه الدول؟!.
ذات القاعدة تنطبق على الجماعات السياسية في الاردن،سواء جماعة الاخوان المسلمين او غيرها من جماعات وقوى تأثير ،وامام هذا المشهد الذي يعصف بدول الجوار وشعوبها،يصير محرما السعي لنقل ذات الفوضى الى الاردن،تحت عناوين محلية،او تحت وطأة الشعور بالظلم او الغبن،ولا يعقل ان تبقى وتيرة الحراكات وشكلها وشعاراتها ونمطيتها امر مشروعا،ما دمنا نرى انهيارات الجوار،وفي هذه اللحظة بالذات تتراجع المشروعية،امام الكلفة الاجمالية على البلد والناس،والتقليد هنا يصير اعمى،وبلا ضمير،خصوصا،عند محاولة شبك الجبهات ببعضها البعض،فلاعدالة في هذه الفكرة ابدا،فلماذا لا نكون احرارا وانقياء ووطنيين الا اذا نقلنا فوضى الجوار هنا،وشبكنا كل الجبهات وفتحناها على بعضها البعض،دون ان ننسى هنا ان حساسية الاردن وتركيبته الداخلية وتعريفاته العربية والدولية،وخاصرته القوية والضعيفة في آن واحدة،لا تحتمل ابدا التساهل امام شرعنة مبدأ فتح الجبهات على بعضها البعض.
تجنيب الاردن ازمات الاقليم،امر مهم جدا،وهو لا يقف عند حدود الكلام والقاء الخطابات،او الركون على ذعر الاردنيين المبثوث في عصبهم العام اذ يرون شعوبا ودولا عريقة تنهار على مرأى من عيونهم،بل لا بد ان تسعى المؤسسة السياسية الرسمية من جهة،وبقية القوى السياسية والحزبية وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين،الى مراجعة كل المواقف،وكل الاتجاهات الشعبية،والمشهد الداخلي بكل تعقيداته وفواتيره،حتى لا نصل الى مرحلة نفقد فيها ما تبقى لدينا من مزايا، او نصحو على صدام تم انتاجه بفعل الاهمال واللامبالاة،او تم تصنيعه مع سبق الاصرار والترصد.
كي يبقى الاردن وسط هذا الاقليم الذي يغرق في الدم،فإن على كل الاطراف،ودون مناددة اومساواة مسبقة بين بعضها البعض،ان تتجنب الازمات،وتطفئ ماهو مشتعل منها،وان نتذكر ان ظهر الاردن القومي بات مكشوفا من اتجاهاته الاربعة،فلا ملاذ ولا مفر،سوى التوقف من حيث المبدأ عن محاولات اشعال النار،تليها ترتيب اوراق الداخل،وصونه رحمة بأهله وحياتهم.هل وصلت الرسالة الى من يعنيهم الامر خصوصا الاخوان المسلمون؟!!.