0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

كتابة محدودة الصلاحية !!

وكالة الناس – كلما وقع بيدي كتاب من طراز اسماء لا تموت لمصطفى امين عاد بي الزمن الى تلك المرحلة الخضراء في حياتنا التي شهدت موجة عالية من التنوير، وكانت معظم الكتب التي تصدر للعقاد وطه حسين وفكري اباظة وسلامة موسى والاخوين مصطفى امين وعلي امين هي مجموعة مقالات نشرت في الصحف اليومية والاسبوعية، ومنها ما كتب ونشر في اربعينات القرن الماضي لكنه لم يفقد صلاحيته حتى الان، ومنها على سبيل المثال لا الحصر اسماء لا تموت لمصطفى امين الذي تحدث فيه عن ابرز مفكري وادباء جيله .
لم تكن الكتابة في تلك المرحلة على طريقة ما يسمى الان ديسبوزبل ، اي لاستخدام مرة واحدة كما يفعل الناس بالمحارم الورقية، وهذا هو الفارق الذي اشار اليه الشاعر الانجليزي اليوت عندما قارن بين الحب الرومانسي وظلاله على ضفاف نهر التايمز وبين الحب الواقعي جدا في ايامه، فالمناديل الحريرية تحولت الى اوراق ملوثة وعلب فارغة ملقاة على ضفاف النهر، ولهذه المقارنة دلالات تتخطى المثال الذي تحدث عنه الشاعر، والفارق بين مقالة تفقد قيمتها اللغوية وصلاحيتها السياسية والثقافية بعد يوم واحد من نشرها وبين تلك المقالات التي عبرت اكثر من ثلاثة اجيال وما تزال طازجة لم يتسلل اليها العطن هو ذاته الفارق بين نمطين من الحياة، احدهما كل ما فيه مصطنع ومعلب ومسمم بالكيمياء والاخر عضوي ومن صميم الطبيعة التي بدأت تنتقم لنفسها ممن انتهكوها بالاعاصير والزلازل والتلوث، وهو ما اطلق عليه الكاتب  روبرت كابلان   انتقام الجغرافيا، رغم ان هذا الانتقام يتزامن مع انتقام التاريخ ايضا لمن يجهلونه تماما كما يحدث للمغفلين اذا جهلوا القوانين حتى لو كانوا طيبين !
ومن قراءتنا لتلك المقالات بعد عدة عقود من نشرها نجد ان الكاتب في تلك المرحلة حددت موهبته جهة بوصلة حياته، ولم تكن عملية استيلاد الكتاب بالانابيب على اختلاف اشكالها قد ادت الى تعويم المهنة الناتج عن التضخم الكمي والفقر النوعي .
انه ايضا الفارق بين عسل يفرزه نحل معلوف بالسكر المطحون وبين شهد يفرزه النحل بعد ان يقطع مئات الاميال بحثا عن الرحيق !! -خيري منصور.