خياران أمام العسكر في مصر!
يبدو ان حسابات “العسكر” في مصر لم تكن دقيقة، فقد تصوروا ان “الانقلاب” ضد مرسي وما تبعه من محاولات “للعسكرة” ابتداء من غلق القنوات الاسلامية الى حملة الاعتقالات الى محاولات اقناع الرأي العام “بالثورة الثانية” التصحيحة وخطب “ود” الحلفاء في الاقليم والعالم، كلها ستضمن لهم عبور المرحلة، واسكات الاخوان وشيطنتهم وصولا الى الامساك بزمام “الحكم” وانهاء الثورة على طريقتهم.
هذا – بالطبع – لم يحدث فقد “انتفض” الاخوان وحلفاؤهم ضد “الانقلاب” وشهدنا امس “مجزرة” راح ضحيتها اكثر من “50” قتيلا امام دار الحرس الجمهوري، وسمعنا من “التيار” السلفي كلاما اخر دفعهم الى تعليق مشاركتهم في العملية السياسية، كما سمعنا من شيخ الازهر تلويحا “بالاعتزال” اذا لم يبادر “الفرقاء” الى حل الازمة فورا.
الان يشعر الفريق السيسي بانه تعجل في اشهار خارطة الطريق على حساب “طرف” اساسي ومهم في المعادلة، وعلى حساب “مبادئ” الثورة التي انتخبت “شرعيتها” عبر صناديق انتخاب نزيهة، ودستور توافق اغلبية المصريين عليه، وكان يمكن لهذه “الخارطة” ان تسير في اتجاه اكثر توازنا، كأن يكون الرئيس والدستور جزءا من الحل، وتكون الاطراف – بما فيها الاخوان – حاضرة في المشهد السياسي بدل ان تتصارع في الميادين.
خطأ “ العسكر” لم يتوقف عند “واقعة” الانقلاب، وانما تجاوزه الى واقعتين خطيرتين: احداهما “عسكرة” الدولة من خلال اصدار مقررات واجراءات تتعارض مع روح الثورة ومع تطلعات الشعب المصري وتنحاز الى فريق ضد اخر بشكل مكشوف، والواقعة الاخرى تهيئة الاجواء لامتداد الصراعات السياسية الى مشارف “حرب اهلية” لا احد يعرف من هم الفاعلون فيها ولا الى أين تتجه ولا من يستطيع ان يتحمل مسؤولية تحويطها بعد ان تمّ حل المؤسسات واصبحت الدولة تعاني من “فراغ” سياسي، وصار من المتعذر على الجيش ان يتصرف بالحكم علنا خشية انتقاده لمن تبقى من الحلفاء الذين تشاركوا معه في الانقلاب.
ثمة خياران اثنان امام العسكر الان، احدهما ان يقرروا المضي في الانقلاب حتى اخر نقطة، وان يدفعوا ثمن استحقاقاته سواء انتهت الى مواجهة الاسلاميين وايداعهم في السجون، او الى صراع دام بين المصريين تتكرر فيه مشاهد “مذبحة” الحرس الجمهوري، او الى “اعلان الاحكام العسكرية” بشكل سافر وتسليم الجيش “الحكم” بدون واجهات مدنية، وهو خيار يشكل “مغامرة” خطيرة لا اعتقد ان احدا من المصريين العقلاء سيوافق عليها، ناهيك عن القوى الدولية التي تنتظر مثل هذه الخطوة للتدخل في الشأن المصري، اما الخيار الاخر فهو اعادة الاوضاع الى ما قبل 30 حزيران، وفق تفاهمات وتسويات جديدة، بموجبها يعود الرئيس مرسي الى الرئاسة، وتلغى مقررات تعطيل الحياة السياسية، وتبدأ الاطراف “بصياغة” خارطة طريق جديدة تتضمن احترام الشرعية مقابل تنازلات محددة واجراء انتخابات رئاسية مبكرة وانتخابات برلمانية عاجلة وتشكيل حكومة “كفاءات” وطنية تعهد اليها مسؤولية انجاز ما تم التوافق عليه.
اعتقد انه لا يوجد اي طريق اخر امام “حكماء” مصر سوى نزع فتيل الصدام بين “الميادين” لكي لا يتطور الى حرب اهلية يدفع ثمنها الجميع، ولا يمكن لهذا الطريق ان “يعبد” الاّ اذا استعاد “العسكر” دورهم الاساسي كطرف محايد ووازن وغير منحاز، وكضابط للمعادلات السياسية وليس شريكا فيها، اما اذا اصر على موقفه وتصور بان “هزيمة الاخوان” هي الحل فان ما ينتظر مصر سيكون اسوأ مما نتوقع.