الأردن يترقب إمكانيات الارتباط بين الضفتين وعباس طلب من ترامب دولة قبل الحديث بكونفدرالية

وكالة الناس  – بسام بدارين-  يلتقط السياسي الأردني المخضرم عدنان أبو عودة
المفارقة وهو يطرح على هامش ندوة إشهار كتابه الجديد على الجمهور المتابع
السؤال التالي: أنا مثلاً عملت بنشاط مع الملك حسين رحمه الله على تثبيت
العلاقة مع الضفة الغربية ولاحقاً أنا من اقترح عليه صيغة «فك الارتباط» الإداري
والقانوني بالضفة الغربية… كنت أنا نفسي في الحالتين فهل يعني ذلك أني
شخص متناقض؟
بسرعة أجاب أبو عودة وسط نخبة من الساسة ورجال الدولة: أبداً… لست متناقضاً
إنه «المتغيّر السياسي». وقبل ذلك وبساعات فقط وعلى هامش «عصف ذهني»
مع أبي عودة استهدف ترسيم حدود ما يسميه الأمريكيون بـ «الحل الإقليمي» لقضية
الشرق الأوسط تم التوصل لاستنتاج يفيد بأن وصول قطار التسوية بعد المصالحة المتسارعة في قطاع غزة بين حركتي حماس
وفتح إلى مساحة الضفة الغربية قد يعني مجدداً نفض الغبار عن ملف قرار فك الارتباط الإداري والقانوني بين «الضفتين». ويعني
ذلك عمليًا أن «العلاقة الإدارية» بصرف النظر عن شكلها وعلى أساس تفكير يتحدث عن ضفتي نهر الأردن هو محطة إجبارية
سياسياً سيقف عليها الجميع سلبا أم إيجابيا باتجاه تعزيز وتثبيت «الفك» أو إعادة «الوصل» عندما يبدأ الفرقاء في التحدث عما سماه علناً الإعلامي الفلسطيني ناصر اللحام بـ «صفقة القرن».
قد تفسر هذه القناعة «صمت» الأردن الرسمي عن التعليق على مسار أحداث المصالحة المتسارعة في قطاع غزة لأن أبو عودة لا يتخيل مجدداً أن إسرائيل معنية ولأي سبب بمغادرة الضفة الغربية أو إقامة «دولة فلسطين» فيها مباشرة ولا يزال يصر على التحدث عن حل إقليمي بغطاء دولي يعني الحديث عن السكان أكثر بكثير من «الأرض». ويلتقط طبعًا وزير شؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية هذه اللحظة ليؤكد بدوره أن بلاده تدعم الخيار الفلسطيني الرسمي دوما و»مصالح الأردن الأساسية» يعرف الآخرون أنه لا يمكن تجاهلها.
ترصد عمّان كيف يتدخل مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي مباشرة وبثقل لتسليك نقاط إعاقة المصالحة كلها وتؤمن بأن ذلك يجري بدعم مباشر من مكتب الرئيس دونالد ترامب ونخبتها تشعر بأن الانقلاب الإسرائيلي الأخير على الأردن بعد حادث جريمة السفارة قد لا يكون المشهد الأخير في ظل المستجدات الحادة المتسارعة. وعندما يتعلق الأمر بالضفتين يقدر فنان مسيس ومثقف سبق أن نحت مفهوم» أبناء نهر الأردن» من وزن خلدون الداوود  بان الأردني والفلسطيني معًا اليوم في مواجهة لحظة الحقيقة حيث «حتمية» الجغرافيا وسيادة وتصدر منطق النهر القديم والعظيم. تلك رؤية عميقة وحالمة من فنان يدقق بالتفاصيل ويعرفه غالبية الساسة حول الضفتين وينصح للمؤسسة والساسة منذ سنوات بطريقته الخاصة ولا تلتفت السلطة. لكن بالمعنى الإجرائي لا توجد أدلة وقرائن مباشرة على أن ملف الضفة الغربية مباشرة بحث مع الأردن الرسمي وبأية صيغة مرسومة وتفصيلية.
وإن كان خيار «حل الدولتين» يغيب في القاموس السياسي الأردني وبوضوح خلال الأسابيع الأخيرة للحديث عن «جدية» الرئيس ترامب في «إيجاد حل» لأقدم قضايا الشرق الأوسط وهو أمر ظهر وفي أكثر من مناسبة من بينها لقاءات وحوارات ملكية مغلقة مع شخصيات وأعيان.
كونفدرالية
وعمّان هنا تتوقف لدراسة وتمحيص تلك الخلفيات التي تجعل مشروع المصالحة أكثر من مجرد «ورقة إقليمية مصرية» أو «مد للنفوذ المالي والاقتصادي الإماراتي نحو البحر المتوسط» بل مشروع إماراتي مصري يأخذه الرئيس السيسي على محمل شخصي ويتطلب منه إعلان تمديد الأحكام العرفية لثلاثة أشهر تمهيداً بتقدير خبراء لتغيير وتحريك محتمل في «جغرافيا سيناء» على أساس المستجدات السريعة. وبالمعنى الإجرائي أيضاً ينقل مصدر فلسطيني مطلع جداً  تفصيلات حوار مهم دار بين الرئيس ترامب والرئيس محمود عباس حينما استخدم الأول عبارة «علاقة كونفدرالية مع الأردن ضمن تسوية الحل الإقليمي» فكان جواب الرئيس عباس كما يلي..»فخامة الرئيس لا ينفع ذلك.. أعطوني «دولة مستقلة» في الضفة الغربية بأي صيغة وبعدها ترتبط بعلاقة كونفدرالية».
يؤشر ذلك على مسألة في غاية الحساسية: العلاقة الكونفدرالية تلوكها الألسن الأمريكية.. يضع عباس والسلطة الفلسطينية لها شروطا، ويصمت في مواجهتها الأردن ممتنعاً عن التعليق حتى اللحظة، وهي اليوم ملف لا يتعلق بسيناريو محتمل فقط بل يبرز مجدداً في ظل مستجد في غاية الأهمية يتمثل في رعاية المنظومة الأمنية المصرية لقطاع غزة والمصالحة المباغتة. ثمة من يرفض من المثقفين السياسيين التقليل من أهمية الحراك الأخير في غزة ومصر، فإسرائيل نفسها بدأت تشعر بحاجتها الملحة ليس للتخلص تماما من قطاع غزة، بل لـ «دولة فلسطينية بأي مكان» تساعدها في معالجة أزمتها الداخلية المتنامية.
الدكتور مروان المعشر وزير البلاط الأردني الأسبق وأول سفير للأردن في تل أبيب من أصحاب الرأي الذي يقول بصعوبة استمرار الوضع الإسرائيلي وجودياً وسياسياً كما هو لعدة أسباب من أبزرها السؤال الديموغرافي. وعند الاستيضاح يسأل المعشر عن تصورات اليمين الإسرائيلي المتطرف حول مصير ستة ملايين فلسطيني في وجه ستة ملايين يهودي معًا في أرض فلسطين التاريخية…أين يذهب هؤلاء ما دام اليمين المتطرف يرفض دولة ديمقراطية موحدة ويقاوم حل الدولتين؟
أثبت الفلسطيني قدرته على البقاء في أرضه وتشبثه بها ولن يغادرها وبالتأكيد لا تستطيع إسرائيل اليوم إقناع العالم بأن ستة ملايين فلسطيني ينبغي أن يتم تهجيرهم أو ترحيلهم أو حتى قتلهم أو بقاؤهم وحدهم بلا «دولة».
ذلك تقدير يقترب من وجهة نظر المعشر. لكن الأهم هو أن المؤسسات الأردنية العميقة قرأت أيضاً وبصمت مؤخرًا معطيات الأرقام لإعداد تقرير خاص، وتم رصد المفاجأة الأهم وفقاً لعدد الفلسطينيين فيما يسميه المجتمع الدولي اليوم بإسرائيل يفوق عدد اليهود في فلسطين التاريخية بـ 400 ألف إنسان على الأقل.
المفاجأة الثانية كانت كالتالي: برغم كل سياسات الاحتلال والعنف والتشريد والقتل والفتك والحروب المجتمع الفلسطيني في فلسطين صامد وباق في الأرض ويتكاثر فيما هاجر نحو 730 ألف يهودي وغادروا إسرائيل في الأعوام العشرة الماضية وإسرائيل تتحول إلى جزيرة معزولة تخص المتشددين دينياً فقط، فيما يغادرها الليبراليون والطبقة الوسطى، تلك بكل حال قراءات ومعطيات تقرأها أجهزة الدول على خلفية حراك المصالحة العنيف مؤخراً .