تصويب مسار الشرعية بأدوات شرعية
كل ثورة فيها شيء من سابقتها، وكل ثورة تحتاج الى ثورة لتصويب مسارها واسترداد عقلها، وما حصل في مصر شيء من هذا وشيء من ذاك، وما سيحصل في تونس سيكون ملامسا لما حصل في مصر وليس استنساخا له، والحديث عن مصر وتونس حصرا لأن الثورة استكملت شروطها الذاتية وبصدد استكمال شروطها الموضوعية ، على امل ان ينجح السوريون في استعادة ثورتهم وان يستكمل اليمنيون ثورتهم وان يستعيد الليبيون بلدهم، وان يستكمل الاصلاحيون في باقي البلدان العربية مشاريعهم الاصلاحية بما يشبه الثورة البيضاء وفقا لسيرورة كل بلد .
مصر خالفت منطق ثورتها، حين استعجلت القوى الثورية بمجملها وليس التيار الاسلامي وحده الوصول الى الحكم ، دون بناء قواعد العملية السياسية وتثبيت هذه القواعد بالتوافق الوطني بين القوى السياسية والثورية ثم الاستفتاء الشعبي عليها، والقواعد هي الدستور لمصر بعد الثورة، وقانون الانتخاب وقانون الاحزاب، لكن القوى السياسية قدّمت هواجسها وتجاربها السابقة على الرؤيا الجديدة، بعكس تونس التي استمهلت ظرفها الذاتي لتحسين ظرفها الموضوعي وحركة تمرد التونسية ستكون عاملا مساعدا لبناء الظرف الموضوعي التونسي على اُسس سليمة دون اقصاء او تهميش او شعور بالاستقواء من طرف على طرف .
مصر بإستعجالها، اثبتت صوابية منطق ان الثورة الاولى تحتاج الى ثورة ثانية لتصويب مسارها، فقد شهد العالم ذلك في صراع البلاشفة والمناشفة في الثورة الروسية، وبعد الاستقلال الأمريكي في صراع الشمال والجنوب، وكلها جرى حسمها بقوة الدولة العسكرية، على عكس ثورة نيكاراغوا، التي صوبت نفسها عبر استمرار الثورة السلمية والعودة الى صناديق الاقتراع، وهذا ما كنّا نتمناه لمصر، وتجربة رئاستها الانتخابية الاولى، واثبتت صوابية المعادلة الاولى ايضا بان كل ثورة فيها شيء من سابقتها، فالثورة المصرية الثانية كانت لازمة لاعادة تصويب مسار الثورة الاولى في 25 يناير او كانون الثاني، بعد اقرار دستور دون توافق واجراء انتخابات برلمانية مخالفة للدستور السابق رغم التحذيرات القانونية والمحاذير السياسية، فجماعة الاخوان ارادت اقتناص اللحظة للفوز واغفلت ديمومة الفوز بشيء من الأخونة لفرض الواقع الاخواني على مصر وانحسار مفهوم الشراكة السياسية قبل حلول مفهوم الاقصاء وبالتالي أحيَت مشاعر دفينة ومشاعر مدعومة من جهات عديدة ان ما جرى احلال لحزب حاكم مكان حزب حاكم، وليس ثورة، فأعادت القوى الثورية تجميع نفسها، فالوقت لم يَطُل لتسلل الخدر الى الاطراف الثورية والجرح لم يندمل عند انصار النظام السابق، فجرى حلف هجين او هايبرد بين القوى السياسية، تسللت من خلاله الدولة العميقة في مصر وانتجت انقلابا بنكهة شعبية سبق الاشارة اليه، فخسر الاخوان ولم تربح مصر وقواها الثورية ، فخطايا الاخوان كثيرة ولم ينكرها الرئيس محمد مرسي ولكنه تأخر في الاعتراف بها وبالتالي تأخرت المراجعة وتأخرت الحلول فوقعت الوقيعة بين الحلف الثوري وحلّت الواقعة .
ما جرى في مصر درس للجميع بعدم القفز عن الواقع الموضوعي، وضرورة تصويب المسار بأدوات شرعية ودستورية، وهذا ما نطالب به القوى السياسية في مصر، فالجميع يتحمل الخطأ، شريطة ان لا يُعمي الخطأ الابصار والبصيرة، فسياسة استحضار الدين في السياسة اثبتت فشلها، فالكل ديني في اعماقه، والصراع في الملعب السياسي المُدنس وليس في حضور الدين المقدس، فلا العلمانية كافرة ولا الاسلاموية مؤمنة، فالصراع بين برامج سياسية واقتصادية وليس بين اديان او اتباع دين وكافرين كما تحاول الجماعة قوله الآن وسابقا؛ ما افقدها عطفا وتعاطفا شديدين، فالسلوك على الارض مليء بالخطايا كما يعترفون هم فلماذا السعي الى استخلاص نتائج كارثية ؟ نعرف انها تستهدف اثارة الغرائز وتَشي بأن الدرس لم تقرأه الجماعة وحزبها، فالخارجون في الميادين ليسوا كفرة وفلولا بل مصريون يريدون خبزا وحرية وعدالة اجتماعية كما جري التوافق الوطني المصري في 25 يناير، والجماعة أقصت شركاء الامس وخلطهم جميعا في خلّاط واحد لتبرير الاقصاء بشيطنة المخالفين، والحلول للخطايا والاخطاء من الجماعة وحزبها لا يمكن تصويبها باستخدام ادوات غير شرعية وغير دستورية .