مقاول الزعيم
لدينا دوماً مجموعات لا بد أن تتبع زعيماً عربياً، أو تقف ضده بالكامل، وهذه حالة ممتدة طوال عقود، وسمات الموقف هنا تتجاوز الموقف السياسي العادي الى تعهد عطاء كامل من النشاطات لصالح زعيم عربي أو ضده.
لدينا من بايع عبدالناصر، واعتبره زعمياً قومياً وتعامى عن كل أخطائه، ومن اصطف ضد عبدالناصر متعامياً عن كل ايجابياته، وكأننا وحدنا بين العرب لا بد ان ننشطر على اساس الموقف من زعيم عربي في مرحلة ما.
الوفود الأردنية التي كانت تحج الى القاهرة نصرة لعبدالناصر، مؤرشفة حكاياتها في الكتب والمذكرات والاوراق السرية والعلنية.
آخرون كانوا مع صدام حسين بكل سياساته حتى تلك التي اغضبت العراقيين، وغيرهم شنوا حرباً ضده لصالح جهات اخرى، وميزة الفريقين أنه لا أحد منهما خضع للموضوعية ابداً.
من كانوا معه حجت وفودهم الى بغداد لمناصرة الرئيس، ومن كانوا ضده حجوا الى عواصم اخرى لإعلان موقفهم ضد سياساته، والانقسام هذا ما زال قائما بيننا بعد رحيله، وبعد هذه السنوات.
لدينا من يبايع بشار الأسد، ويعتبره رمزاً عروبياً قومياً، ولدينا ايضاً من يحاربه ويعتبره مجرماً يتوجب قتله، ومن يؤيده لا يغيب عن اول وفد لزيارة دمشق لإعلان المبايعة والاصطفاف مع الرئيس.
في القصة المصرية ذات المبدأ، فالبعض يصطف كلياً مع الرئيس محمد مرسي بخيره وشره، ودون موضوعية، والبعض يصطف ضده بخيره وشره ايضاً، دون موضوعية، فلا سمع كلاما وسطياً إما مع الشخص واما ضده!.
لو كانت القاهرة ثرية، لسمعنا عن وفود تزور مرسي، او وفود تنعى رحيله في رابعة العدوية، بعد انقلاب العسكر عليه، المغطى بالجماهير التي تمت تهيئتها ليكون الانقلاب انقلابها وباسمها.
لماذا تتجذر هذه الظاهرة هنا، هل هي تعبيرعن القومية العربية، ام انجذاب الى عواصم مركزية اخرى، أم انها مساعي النخب دوماً للاستفادة عبرالارتباط السياسي، مع اي زعيم قديم او جديد؟!.
لماذا ننفرد عن غيرنا دوماً بوجود جماعات تجلس في احضان زعماء عرب، او تجلس في احضان زعماء نكاية بزعماء آخرين؟!.
يتسم اصحاب هذه الظاهرة دوماً، بغياب الموضوعية، فهم يقفون مع أي رئيس عربي بالمقاولة، ويقفون ضده ايضاً بالمقاولة، ولا تجد مكانا للتحليل الموضوعي، او التوسط في كل الحالات، والتغطية الشعاراتية لهذه الاصطفافات متوافرة مجاناً للراغبين، وهناك خصومات تشجيعية.
تعد عمان اكثر العواصم العربية قابلية لإنتاج نخبة مؤيدة او معارضة، على مستوى قومي يتجاوز الشأن الأردني نحو الحالة العربية، وتغيراتها، وهذا يؤشرعلى قدرة الاخرين على استقطابنا بسهولة، ورغبتنا المتجذرة عميقاً بالاستقطاب، كما تؤشر الظاهرة الى الضيق من «المحلية السياسية» واشتراطاتها الضيقة، وبيئتها غير الخصبة للتطورالسياسي.
لدينا نخبة محلية تعمل في مجال المقاولات السياسية، ويتعهد الواحد منهم الزعيم العربي وكل مواقفه، ايجاباً عبر الدفاع عنه، وفي حالات يتعهد عطاء لخصومه، فيقف ضد الزعيم، بخيره وشره، وهذه المقاولة أيا كان اتجاهها تؤشرعلى خروقات فاضحة.
ظاهرة «المقاول السياسي» ظاهرة قديمة جديدة في الأردن، ما بين من يؤيد او يعارض، زعيماً عربياً، وهي ظاهرة تستحق التحليل، خصوصا، اننا نشهد ارتباطاً بالرموز والاسماء والزعامات، لا بالشعوب والدول وماتواجهه من تحديات مصيرية.
نادرا ما تجد مثل هذه المقاولة في بلدان عربية اخرى، الا بعضها القليل، وفي اغلب الحالات تقف العلاقات السياسية والتنظيمية والحزبية والمالية خلف هذه المقاولات، التي باتت ميزة نراها في كل المراحل، وكأنه لا بد أن يكون بيننا جماعة لكل رئيس عربي.
المثير هنا أن أغلب عطاءات المقاولة التي نتعهدها، تخسر في نهاية المطاف؟!.